اتاك بخمخام، فانجاك، فالحقي * بأرضك، لا تحبس عليك طريق ولكن القصة تنتهي بان الدائرة تدور على بني زياد أنفسهم، فإن الشاعر يختار بعد خلاصه من السجن والتعذيب، أن يقيم في الموصل، ثم يحدوه الشوق والحنين إلى البصرة، فيعود إليها، ولكنه لا يامن على نفسه فيها أن يدبر له عبيد الله بن زياد مؤامرة ليبطش به، فيرتحل إلى كرمان يستجير شريكا ابن الأعور، وكان عاملا عليها، ويبقى الشاعر هناك حتى تقوم ثورة العراق بقيادة عبد الله بن الزبير، وتجمع الجماهير في البصرة على قتل عبيد الله بن زياد، فيهرب هذا، ويغلب امر ابن الزبير، فيرجع الشاعر إلى البصرة، ويعود إلى هجاء بني زياد، وترى فيه الجماهير مناضلا شارك في هيج الثورة على الاستبداد والطغيان، فتزداد اقبالا على التغني بهجائه السياسي، وان كان لا يخلو من الهجاء من فاحش القول، وها هو ذا يصف هرب عبيد الله من البصرة وتركه أمه فيها ويشمت بمصيره:
اعبيد، هلا كنت أول فارس يوم الهياج دعا بحتفك داع أسلمت أمك للرماح تنوشها * يا ليتني لك ليلة الافزاع هلا عجوز إذ تمد بثديها * وتصيح ان: لا تنزعن قناعي أنقذت من أيدي العلوج كأنها * رمداء مجفلة ببطن القاع فركبت رأسك، ثم قلت: أرى العدا * كثروا، واخلف موعد الاشياع ليس الكريم بمن يخلف أمه * وفتاته في المنزل الجعجاع وها هو ذا الشاعر يذكر عبيد الله أيضا باستبداده ومظالمه:
بما قدمت كفاك، لا لك مهرب * إلى اي قوم، والدماء تصيب فكم من كريم قد جررت جريرة * عليه، فمقبور، وعان (1) يعذب ومن حرة زهراء قامت بسحرة * لتبكي قتيلا، أو فتى يتاوب فصبر، عبيد ابن العبيد، فإنما * يقاسي الأمور المستعد المجرب وذق كالذي قد ذاق منك معاشر * لعبت بهم إذ أنت بالناس تلعب وها هو ذا أيضا لا ينفك يستعرض طغيان عبيد الله وجرائمه:
كم يا عبيد الله عندك من دم * يسعى ليدركه بقتلك ساع ومعاشر انف (2)، أبحت حريمهم * فرقتهم من بعد طول جماع واذكر حسينا (3) وابن عروة هانيا * وبني عقيل فارس المرباع وكان يوم آخر في التاريخ... فإذا عبيد الله بن زياد في معركة الزاب بالعراق، وقد ثار أصحاب المختار بن أبي عبيد يثأرون من قتلة الحسين بن علي، وإذا إبراهيم بن الأشتر يحمل في المعركة على كتيبة عبيد الله، فتنهزم الكتيبة، ويتخلف عبيد الله، فيضربه إبراهيم فيقتله ويرجع إلى أصحابه فيقول:
- اني ضربت رجلا، فقددته نصفين، فشرقت يداه، وغربت رجلاه، وفاح منه المسك وأظنه ابن مرجانة.
وأوما إبراهيم للقوم إلى موضعه، فذهبوا إليه، فوجدوه كما ذكر إبراهيم، وإذا هو ابن زياد، وإذا شاعرنا ابن مفرغ يظهر هنا أيضا ويلاحق عبيد الله حتى مصرعه يهجوه.
ان الذي عاش ختارا بذمته * وعاش عبدا قتيل الله بالزاب العبد للعبد، لا أصل ولا طرف * ألوت به ذات أظفار وأنياب ان المنايا إذا ما زرن طاغية * هتكن عنه ستورا بين أبواب هلا جموع نزار إذ لقيتهم * كنت امرأ من نزار غير مرتاب لا أنت عن ملك فتمنعه * ولا مددت إلى قوم بأسباب ما شق جيب ولا ناحتك نائحة * ولا بكتك جياد عند اسلاب لا يترك الله انفا تعطسون بها * بين العبيد شهودا غير غياب أقول له بعدا وسحقا عند مصرعه * لابن الخبيثة وابن الكودن الكابي (4) وجاء في كتاب الأغاني للأصفهاني:
حين سجن عباد بن زياد يزيد بن مفرغ أرسل الشاعر إلى يمانية الشام رسولا بأبيات يستثير فيها حميتهم ويدعوهم إلى نصرته، فلما تليت عليهم هاجوا ودخلوا على يزيد يهددون و يتوعدون أن لم يطلق سراح شاعرهم فاضطر يزيد إلى إرضائهم وأمر باطلاق سراح ابن مفرع.
وكان عبيد الله بن زياد حين ظفر بابن مفرع هم أن يقتله وكتب إلى يزيد يستأذنه بالامر فكتب اليه يزيد يحذره من الاقدام على ذلك وكان مما قاله له:
" إياك وقتله، ولكن عاقبه بما ينكله ويشد سلطانك. ولا تبلغ نفسه فان له عشيرة هي جندي وبطانتي ولا ترضى بقتله مني ولا تقنع الا بالقود منك فاحذر ".
يحيى بن البطريق مرت ترجمته في الجزء العاشر الصفحة 289 ونزيد عليها هنا ما يلي:
قال ابن حجر في لسان الميزان: يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي الأسدي الحلي الربعي المعروف بابن البطريق، قرأ على الحمصي الرازي الفقه والكلام على مذهب الإمامية وسكن بغداد مدة ثم واسط، وكان يتزهد ويتنسك، وكانت وفاته بالحلة في شعبان سنة 600 وله سبع وسبعون سنة ذكره ابن النجار ".
وولده نجم الدين أبو الحسن علي بن يحيى كان فقيها فاضلا شاعرا وكاتبا هاجر إلى مصر وكتب في أحد الدواوين المصرية أيام الدولة الكاملية، ولما اختلت حاله عاد إلى العراق، توفي سنة 542.
قال عنه في الفوات: وكان فاضلا أصوليا، قال القوصي أنشدنا ابن البطريق لنفسه بدمشق وكتب بها إلى ابن عنين، وكان به جرب انقطع بسببه في داره:
مولاي لابت في همي ولا نصبي * ولا لقيت الذي القى من الجرب هذا زماني أبو جهل وذا جربي * أبو معيط وذا قلبي أبو لهب وأنشدني لنفسه وقد بلغه ان الملك الأشرف اعطى الحلي (راجحا) سيفا محلى فتقلد به وتشبه بالحيص بيص:
تقلد راجح الحلي سيفا * محلى واقتنى سمر الرماح فقال الناس فيه وقلت كفوا * فليس عليه في ذا من جناح أيقدر ان يغير على القوافي * وأموال الملوك بلا سلاح وله قوله: