وبالرغم من صغر حجمها فإن فيها من الفوائد اللطيفة ما يكفي مادة لبحث جليل..
وأهم ما في الرسالة، الإشارة إلى تنزيه " الهوية " عن الصفات تنزيها مطلقا، وظاهر أنه يستعمل لفظ الهوية استعمال القدماء إياه، والشائع عند أكثر الفلاسفة الإسلاميين هو لفظ الموجود، وإنما عدل البعض عن استعمال هذا اللفظ الأخير كما قال أبو نصر الفارابي، لأنه بشكل المشتق، والمشتق يدل على عرض بينما يقسم الفلاسفة هذا المعنى إلى الجوهر والعرض، وإلى ما بالفعل، وما بالقوة. ويستعمل البعض الآخر لفظ " الإنية " وهو تعريب للكلمة اليونانية الدالة على " الموجود ".
ويتبين من سياق عبارته في هذه الرسالة، أنه يقدس الهوية، ولذلك نرجح أنه يعنى بها ما يعنى " العارفون " من الإسلاميين باسم " المرتبة الأحدية " التي هي أعلى مراتب الوجود الكلية، وهي حقيقة الوجود بشرط ألا يكون معها شئ.
والهوية عند أفضل الدين الكاشاني سامية جدا، ولا يمكن أن نتصور بينها وبين العالم أي نوع من الاتصال، إلا إذا أخذناها موصوفة بالصفات. ومع أن الصفات تكون ذاتية إلا أن اعتبار الهوية موصوفة بها، فيه تقليل من تنزهها وإذا أخذت الهوية موصوفة بالعلم، تكون مبدعة للعقل، وإذا أخذت من حيث تقتضي أوصافا، كانت فاعلة، أو خالقة لها.
ثم إن مما يستحق أن يشار إليه، هو أن أفضل الدين، يرى في هذه الرسالة أن العقل، وهو الذي تبدعه الهوية العالمة بذاتها، ليس إلا فعل التعقل، وليس جوهرا ولا عرضا، وإذن فهو ليس ممن يذهبون إلى اعتبار العقل شخصا يسميه بعضهم ملكا، ويسميه الآخر ربا.
أما النفس فهي عنده جامعة بين الوحدة والكثرة، وهي البرزخ بين الوجوب والإمكان، والفعل والانفعال. وهذا رأي أصحاب القول بالصدور على اختلاف مذاهبهم.
ثم إنه يعرف الجسم بالتعريف الذي يختاره الإشراقيون، ولا يقبله المشاءون أي إن الجسم عنده هو القابل لفرض الأبعاد الثلاثة، المتقاطعة على زوايا قائمة فيه بالفعل.
هذا تفسير مختصر لما في هذه الرسالة الصغيرة من المعاني الخطيرة، وإني واثق أن الكشف عن غيرها من مؤلفات أفضل الدين كفيل بتوضيح مذهبه في الفلسفة والتصوف على نحو لا يختلف عن الاتجاه الذي سلكته في تقدير هذا الفيلسوف.
وأضيف إلى ما سبق أني وقفت على رأي له في قياس الخلف أورده صدر الدين الشيرازي حيث قال: " ذهب الشيخ أفضل الدين المرقي القاشاني قدس سره إلى أن الخلف قياس استثنائي من متصلة مقدمها نقيض المطلوب، ويحتاج في بيان تاليها إلى حملية مسلمة. " ثم قال صدر الدين: " وهذا الطريق هو الذي ذكره الشارح، يعني محمود بن مسعود المشهور بقطب الدين الشيرازي وظاهر أنه لا يذهب هذا المذهب في مثل هذه المسألة الدقيقة إلا عالم له مشاركة عظيمة في علم المنطق.
ونستطيع بعد ما قدمناه في التعرف بأفضل الدين الكاشاني أن نتصور تصورا واضحا شخصية أستاذ لنصير الدين الطوسي له تأثير كبير في توجيهه الروحي والعقلي، وليس يقتصر ما بين المعلم وتلميذه على ما بينهما من صلات الرحم فحسب، بل إنهما يشتركان في العناية بعلوم الأوائل، والميل إلى التصوف الممزوج بمذهب " العرفان " وقد ذكر أكثر من واحد أن نصير الدين مدح أفضل الدين برباعيات أو لعله رثاه بها، ولم نقف عليها لسوء الحظ ولكننا نحسب أنه أشار فيها إلى ما بينهما من صلة، وقال فيها أيضا ما معناه:
نسب أقرب في شرع الهوى * بيننا من نسب أبوي أسامة بن منقذ مرت ترجمته في المجلد الثالث الصفحة 252 ونزيد عليها هنا ما يلي:
قال محمد مصطفى الماحي مدير أوقاف مصر من مقال له:
غير أن الدهر أبى الا أن يعاند اسامة، فقد أحس نبوة من صلاح الدين الأيوبي لعل سببها ما انتهى إليه من أنه يرفد الشيعة ويصل فقراءهم ويظهر التقية.
أنشأ السيد انشاء الله خان ابن السيد ما شاء الله خان النجفي:
ولد في مرشدآباد الهند سنة 1160 وتوفي بلكنو سنة 1233 اشتهر باسم (أنشأ) وهو شاعر كبير في الهزل والهجاء وهو طويل الباع في النظم بلغات متعددة ولهجات مختلفة: بالعربية والفارسية والهندية. وله في كل نوع أشعار مطبوعة وليس له نظير في شعراء الهند، وهو أيضا كاتب ناشر، وهو أول أديب أسس القواعد الأردوية وأصولها من النحو والصرف والعروض، وضبط الكلمات والأمثال، وكتب (درياي لطافت) فكان أول كتاب دون هذا الفن، وقد ألف بعض أجزائه محمد حسن فتيل، الشاعر الكاتب بالفارسية والتركية، وكان صديقا لانشا وشيعيا مثله.
ولأنشا كتاب (رآني كيتكي) وهو قصة هندية تعتبر نسيج وحدها.
(أنيس)، مير ببر علي بن خليق مير مستحسن بن مير حسن:
ولد حوالي سنة 1216 في فيض آباد وتوفي في لكنو سنة 1291 من أكبر شعراء الهند، اشتهر بلقبه (أنيس) ولم يعرف بغيره لذلك ترجمناه في حرف الألف (1).
أسرة أنيس هي أسرة الشعراء، فاباؤه شعراء مجيدون وأبناؤه شعراء المرائي الحسينية، مشى الشعر في بيته كابرا عن كابر، وقد نظم (أنيس) مئات الآلاف من الأبيات الشعرية وكلها في مديح أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ورثائهم، ويطلق على أشعاره اسم (المرثية)، والمرثية في اصطلاح ذلك العنصر هي نظم سداسي يشتمل على اجزاء خاصة:
1 - التشبيب، وفيه يصور أنيس مظاهر الفطرة من الصبح والمساء والليل والربيع والشتاء.
2 - المديح، وفيه يصور البطل في شخص الحسين ع وأنصاره صورة