غير حميدات خصالهن * طوبى لمن نال وصالهن يا حبذا أيامنا اللواتي * مضت لنا ونحن في هرات تسترق اللذات والأفراحا * ولا تمل الهزل والمزاحا وعيشنا في ظلها رغيد * والدهر مسعف بما نريد واها على العود إليها واها * فما يطيب العيش في سواها حمد الغفاري الملقب ب " كمال الملك "، ابن الميرزا الكبير بن الميرزا محمد بن الميرزا عبد المطلب الغفاري ولد بمدينة كاشان في أواخر شهر شوال سنة (1264) وتوفي في نيسابور سنة 1352.
امضى طفولته وصباه في تلك المدينة وأكمل فيها مراحل الدراسة الأولى ثم انتقل إلى طهران وهو في الخامسة عشرة من عمره والتحق بمدرسة دار الفنون، فأنهى مراحل الدراسة ودوراتها في هذه المدرسة، ولكونه يتمتع بموهبة متميزة في الرسم فقد عينه ناصر الدين شاه رساما وافرد له غرفة خاصة في عمارة بادكير من مجموعة شمس العماري، فصار مشغولا بأعمال الرسم وفنونه هناك تحت عنوان (نقاشباشي).
ويمكن تلخيص الحياة الفنية لكمال الملك في أربع مراحل:
المرحلة الأولى: وتشمل المدة التي أمضاها في بلاط ناصر الدين شاه مشغولا باعمال الرسم وقد بلغ عدد اللوحات التي أنجزها في هذه المرحلة مائة وسبعين لوحة. وسنكتفي بذكر الآثار النموذجية لهذه المرحلة (1285 ه - 1312 ه).
المرحلة الثانية: وهي تشمل المدة التي أمضاها في أوروبا. 1319 ه - 1324 ه).
المرحلة الثالثة: وتتعلق هذه المرحلة بالآثار والنتاجات التي أنجزها عند سفره إلى العتبات المقدسة.
المرحلة الرابعة: وهي التي شهدت بداية حركة المشروطة وتأسيس مدرسة (صنايع مستظرفة).
وسنتناول الحديث مفصلا عن هذه المراحل.
المرحلة الأولى يصعب علينا الاهتداء إلى كثير من اعمال ونتاجات كمال الملك وعلى الخصوص تلك التي أنجزها في بدايات حياته الفنية، فقد يكون قسم منها قد اندثر واختفى وقسم آخر توزع هنا وهناك بنحو يتطلب جمعه في مكان واحد جهودا ضخمة كبيرة ووقتا هائلا طويلا ومن بين الأعمال النموذجية لكمال الملك التي وصلت إلينا: لوحة " آبشار دو قلو " موقعة بأمضاء (نقاشباشي) يعود تاريخ انجازها إلى سنة (1302 ه)، لوحة قصر (گلستان) وقد أنجزت سنة (1303 ه)، منظر قرية (أمامية) أنجزها في (سنة 1304 ه)، منظر حديقة (باغشاه) أنجزت في (سنة 1306 ه) ومنظر لوادي (زانوس) من بعيد وقد أنجزت في سنة (1306 ه) أيضا. أما لوحة (المخيمات الحكومية) التي أنجزت سنة (1299 ه) فهي تعد من بين أقدم الآثار التي بلغتنا من تلك المرحلة التي كان يوقع كمال الملك لوحاته بامضاء (نقاشباشي) وهي موجودة الآن ضمن مجموعة بمكتبة مجلس الصيانة.
ويستنتج من خلال عناوين اللوحات المذكورة أن كمال الملك قلما أعطى المناسبات والموضوعات الانسانية اهتمامه وعنايته فنجد أن لوحاته أما أن تكون حاكية عن الطبيعة وجمالها الفياض حيث يبدو فيها انعكاس النفحات الشاعرية التي تتجلى في لمسات فنية معبرة عن الهامات عاطفية، أو أن تكون تلك اللوحات متضمنة لمباني الدولة وأماكنها. كما أن عناصر لوحاته وسبكها الخاص تأتي فاقدة للروح والحركة والابداع الذي يمنح العمل الفني أملا بالخلود والحكاية عن أصالته. ورغم أن لوحاته ممتعة للذوق والنظر ومثيرة لعاطفة المشاهد الا أن عمل الرسم المبذول في هذه اللوحات لا يعدو أن يكون مماثلا للتصوير الآلي حيث الصور الجامدة والبسيطة والسطحية التي تقل فيها اللمسات الفنية الخلافة الصادرة عن بديهة الفنانين وقريحتهم، كما يلاحظ فيها عدم الانسجام بين موضوعات اللوحات وعناصرها وبين أحاسيس الفنان ومشاعره، وإن وجد مثل ذلك فإنه يتوقف في حدود السطح ولا يمتد إلى الأعماق الخلاقة، سوى بعض الاستثناءات القليلة التي نجد فيها الاندماج والانسجام الكلي للفنان وعواطفه وروحه مع لوحاته المرسومة على أن التقنية العالية الملحوظة في تلك الأعمال واللوحات وتطوراتها كانت تنبئ عن مستقبل مزدهر للفنان، حيث يشاهد تحسن الإنتاج وتصاعد وتيرته الفنية لوحة بعد لوحة، كما يبدو فيه المنحى التكاملي الذي يتسلقه.
تعد لوحة (تالار آئينه) معلما لمرحلة جديدة للرسم الإيراني فقد أحدثت هزة حقيقية في بنيان مدرسة الفن القاجاري الذي كان يعتمد أساسا على رسوم المينة التقليدية ويغوص في الجمود على الأساليب القديمة وتقليدها واتباعها.
أما الطريق الفني الذي سلكه كمال الملك حتى آخر عمره فقد كان استمرارا وتطورا لأسلوبه الفني الذي انتهجه في لوحة (تالار آئينه)، وضمن هذا السياق أيضا فقد عد كمال الملك وأسلوبه نقطة انعطاف في الحركة الفنية حيث يمثل نهاية مرحلة للفن التقليدي وبداية مرحلة لتيار فني آخر متأثر بالفن الغربي إلى حدود بعيدة. ورغم أن التأثر بالفن الغربي يعود تاريخه إلى أزمان بعيدة إلا أنه كان من المستحيل بنحو من الأنحاء أن يتسلل تأثير الفن الغربي - في أعمال الفنانين الذين سبقوه - داخل التقاليد الأصلية للفن الإيراني، أما في أعمال كمال الملك ولوحاته فقد صارت القيم الفنية الإيرانية تذوي وتختفي لتحل محلها القيم والمعايير الأساسية للفن الكلاسيكي الأوروبي.
إن هذا التطور الذي كسر التقاليد الفنية وخرج عن مألوفها تحول ليصير بذاته تقليدا وأسلوبا جديدا للفن الإيراني الذي اندفع على أساسه في مسيرة النهضة والازدهار. ولم يكن هذا التطور وليد صدفة أو نتيجة حدث طارئ بل أنه يأتي ضمن سياق التطور والتحول العالم الذي طال كافة الأسس والعلاقات الاجتماعية والمعايير الإنسانية للمجتمع الإيراني وأثر في حركة الرشد للخلايا والمكونات والأنسجة التي تؤلف كيانه العام، فقد مضت مدة من الزمن شهد البنيان القديم للمجتمع الإيراني جملة من التطورات وتعرض لعدة هزات أوجدتها الاصلاحات الاجتماعية التي جاء بها (أمير كبير) وجعلت المجتمع الإيراني في حالة غليان واضطراب مستمرة.
ومع اقتراب وقت انفجار ثورة المشروطة فإن القوالب القديمة والقيم البالية العتيقة كانت تزداد عجزا في استيعاب المتطلبات الجديدة والمضامين الحية لحركة المجتمع، ولذا فقد سيطرت حالة القلق وعدم الاستقرار في المجتمع، وازدادت الحاجة الحاحا إلى التجديد والتحول الذي ينهض إلى مستوى تلبية