قلت: ومع ذلك كله فالمتجه بناء على تمسكهم بتلك الاطلاقات عدم الفرق في حكمية النجاسة وعينيتها بين ما باشر الميت برطوبة وعدمه، ضرورة عدم تعرض في الأدلة لشئ من ذلك، فالتفصيل بين المباشر بيبوسة فحكمية لا تتعدى إلى غيره، وبرطوبة فتتعدى مما لا نعرف له وجها، ولذا كان ظاهر المحكي من عبارة نهاية الإحكام العينية في الجميع، بل نسبه إلى ظاهر الأصحاب، وظاهر السرائر أو صريحها الحكمية في الجميع، فلا ينجس ما باشر الميت ولو برطوبة غيره وإن كان رطبا، ولعله الظاهر من جنائز القواعد أيضا.
وإذ قد وقع من بعض الأصحاب إنكار استفادة ذلك من عبارة السرائر أحببنا أن ننقلها بنفسها، قال فيها: " ويغتسل الغاسل فرضا واجبا إما في الحال أو فيما بعده، فإن مس مائعا قبل اغتساله وخالطه لا يفسده ولا ينجسه، وكذلك إذا لاقى جسد الميت من قبل غسله إناء ثم أفرغ في ذلك الإناء قبل غسله مائع، فإنه لا ينجس ذلك المائع وإن كان الإناء يجب غسله، لأنه لاقى جسد الميت، وليس كذلك المائع الذي يحصل فيه، لأنه لم يلاق جسد الميت، وحمله على ذلك قياس وتجاوز في الأحكام بغير دليل، والأصل في الأشياء الطهارة إلى أن يقوم دليل قاطع للعذر، وإن كنا متعبدين بغسل ما لاقى جسد الميت، لأن هذه نجاسات حكمية وليست عينيات، وأحكام شرعيات، فنثبتها بحسب الأدلة الشرعية، ولا خلاف أيضا بين الأمة كافة أن المساجد يجب أن تنزه وتجنب النجاسات العينيات، وقد أجمعنا بلا خلاف بيننا على أن من غسل ميتا يجلس فيه فضلا عن مروره وجوازه ودخوله إليه، فإن كان نجس العين لما جاز ذلك، وأدى إلى تناقض الأدلة، وأيضا فإن الماء المستعمل في الطهارة على ضربين: ما استعمل في الصغرى، والأخرى في الكبرى، والماء المستعمل في الصغرى لا خلاف بيننا في أنه طاهر مطهر، والماء المستعمل في الطهارة الكبرى الصحيح عند محققي أصحابنا