الأصحاب في وجوب القبول عليه لو وهب له الماء، لابتناء ذلك على المسامحة عرفا، فلا منة ولا ضرر، لكنه لا يخلو من تأمل، لاختلافه باختلاف الأشخاص رفعة وضعة والأزمنة والأمكنة، وعليه فلو تيمم والحال هذه بطل ما دام الماء المبذول قائما كما صرح به غير واحد، وكذا في نظائره.
وأما لو بذل له الثمن ففي المبسوط والمنتهى والمدارك والحدائق وجوب القبول أيضا للمقدمة المقدورة عقلا وشرعا، إذ لا حرمة عليه في تحمل المنة، واستشكله في المعتبر بأنه فيه منة في العادة، ولا تجب المنة، واختاره في جامع المقاصد، قال: " لأن هبة المال مما يمتن به في لإعادة ويحصل به للنفس غضاضة واستهانة، وذلك من أشد أنواع الضرر على نفوس الأحرار، ولا أثر لقلته في ذلك، لعدم انضباط أحوال الناس، فربما يعد القليل كثيرا، بل مناط الحكم كون الجنس مما يمن به عادة، كما لا نفرق بين قلة الماء وكثرته في وجوب القبول اعتبارا بالجنس " انتهى. وفيه التأمل السابق، فلعل الأولى إناطة الحكم بذلك لا الاطلاق، ولا اعتبار بالجنس الذي ذكره، إذ منشأ عدم تحمل المنة إنما هو الحرج الذي لا يتحمل، فيكون كالضرر المتقدم في الثمن، فيدور الحكم مداره وجودا وعدما من غير مدخلية للجنس، بل وكذا الكلام في الاستيهاب والاكتساب، فإن الناس مختلفة بذلك أشد اختلاف، وظاهرهم هنا عدم الفرق بين الهبة والبذل بمعنى الإباحة، وهو كذلك عند التأمل.
ولو بذل له الماء أو الثمن إلى أجل يستطيع وفاءه فيه وجب عليه القبول كما صرح به جماعة، بل قد يشعر بنسبة الخلاف فيه إلى خصوص الشافعي في المعتبر والمنتهى بعدمه بيننا، لكن عن ابن فهد أنه حكى عن بعض مشائخه القول بالعدم، ولعله لأن نفس شغل الذمة مع احتمال عوارض عدم الوفاء ضرر، وهو ضعيف، وبأدنى تأمل تعرف جريان جميع ما تقدم من الكلام في الماء وثمنه في الآلة، ولذا قال المصنف: * (وكذا القول في