وهذا بخلاف ما نحن فيه مما كان هناك حكمان ثابتان لا يعرف متعلقهما.
فالتفت ولا تغفل.
الجهة الثالثة: في حكم دوران الامر بين الواجب والحرام على تقدير عدم أهمية أحدهما.
وقد عرفت أن الشيخ ذهب إلى لزوم الاقتصار على الموافقة الاحتمالية في كل منهما وعدم جواز الموافقة القطعية لأحدهما لاستلزامها المخالفة القطعية للاخر، ولا يحسن دفع الضرر المحتمل بالوقوع في الضرر المقطوع.
وهذا التعليل بظاهره لا يخلو من خدش، إذ المراد بالضرر هو العقاب، ومن الواضح انه بحكم العقل المتفرع على حرمة المخالفة القطعية، فإذا فرض انه يحكم بجواز الموافقة القطعية لأحدهما وان استلزمت المخالفة القطعية للاخر، فمقتضاه انه لا يرى حسن العقاب على المخالفة القطعية فلا ضرر أصلا.
فلا معنى لتعليل حرمة المخالفة القطعية هنا بأنه ارتكاب للضرر المقطوع، إذ القطع بالضرر من توابع الحكم بالحرمة ومتفرعاته فالتفت ولا تغفل.
ويمكن توجيه كلامه: بان المراد من الضرر ليس هو العقاب، بل المراد المفسدة الواقعية التي يحكم العقل بلزوم التحرز عنها، أو نحوها مما له وجود واقعي مع قطع النظر عن التنجيز، فإذا دار الامر بين دفع الضرر المحتمل - بهذا المعنى - أو الضرر المقطوع، قدم الثاني بنظر العقل. وبعبارة أخرى: ان كلا من الموافقة القطعية وعدم المخالفة القطعية لازم بنظر العقل بأي ملاك كان، مع قطع النظر عن المزاحمة. فكل من العلمين تلزم موافقته قطعا وتحرم مخالفته قطعا مع قطع النظر عن التزاحم. إذن فهناك ملزم عقلي يستلزم حكم العقل بدفع احتمال عدم الموافقة، ويستلزم حكم العقل لعدم المخالفة. فإذا دار الامر بينهما في مقام - كما فيما نحن فيه - كان الترجيح لعدم المخالفة على تحصيل الموافقة، لان ما يستلزم تحصيل الموافقة القطعية لا يستلزمها مع حصول المخالفة القطعية.