الاختيار باعتبار أنه في طول الاختيار وما نحن فيه من هذا القبيل، وأما الوجوب بالإرادة فهو ينافي الاختيار باعتبار أن الإرادة بتمام مبادئها غير اختيارية وناشئة بالضرورة من عللها المنتهية إلى إرادة الباري عز وجل والضرورة تنافي الاختيار، فإذن كيف يكون الوجوب بالاختيار مثل الوجوب بالإرادة، وبكلمة أن الوجوب بالاختيار يختلف عن الوجوب بالإرادة، فان الوجوب بالاختيار مرده إلى الوجوب بشرط المحمول أي بشرط الوجود، ومن الطبيعي أن مثل هذا الوجوب لا ينافي الاختيار، حيث إنه معلول له فكيف يعقل أن يكون منافيا له، فيكون المقام نظير المسبب المترتب على السبب الاختياري وهذا بخلاف الوجوب بالإرادة، فإنه ينافي الاختيار باعتبار أن الإرادة بتمام مبادئها غير اختيارية كما مر.
الوجه الثالث: أن الاختيار الذي هو فعل نفساني لا يخلو من أن لا ينفك عن الصفات الموجودة في النفس كالعلم والقدرة والإرادة أو ينفك عنها، فعلى الأول فهو فعل قهري لا اختياري لأن مبادية قهرية. وعلى الثاني فالصفات المذكورة بضميمة النفس الموجودة في جميع الأحوال علة ناقصة للاختيار، ومن الواضح أن المعلول لا يوجد إلا بعلته التامة، وتوهم الفرق بين الفعل الاختياري وغيره من حيث كفاية وجود المرجح في الأول دون الثاني من الغرائب، فإنه لا فرق بين ممكن وممكن في الحاجة إلى العلة التامة ولا فرق بين معلول ومعول في الحاجة إلى العلة التامة، فإن الامكان مساوق للافتقار إليها بل هو عين الافتقار والارتباط.
والجواب أن الممكن وإن كان يستحيل أن يوجد في الخارج بدون علة ولا فرق في ذلك بين ممكن وممكن، لما مر من أن سر حاجة الممكن إلى العلة كامن في صميم ذاته وكيان وجوده ولكن تأثير العلة في المعلول يختلف، فإن كان المعلول