الثاني: أن الابتهاج والرضا في مرحلة الذات هو الإرادة الذاتية التي هي من الصفات العليا الكمالية كالعلم والقدرة ونحوهما، وفي مرحلة الفعل هو الإرادة الفعلية التي هي من آثار ارادته الذاتية.
الثالث: أن الإرادة في الانسان هي الشوق الأكيد المحرك للقوة العاملة للعضلات نحو المراد، وتحققها في النفس يتوقف على مقدمات كالتصور والتصديق بالفائدة ونحوهما، بينما الإرادة في ذاته تعالى لا تتوقف على أية مقدمة خارجة عن ذاته المقدسة كعلمه وقدرته ونحوهما.
ولنأخذ بالنظر إلى هذه الأمور:
أما الأول: فلأنه (قدس سره) إن أراد بهذا التفسير تفسيرها بمعناها العرفي اللغوي، ففيه أنه ليس معناها لا لغة ولا عرفا، فان الإرادة مستعملة في أحد معنيين:
الأول: الشوق المؤكد في النفس. والثاني: المشيئة والاختيار.
وإن أراد (قدس سره) به بيان حقيقة الإرادة فإنها من الصفات الذاتية العليا كالعلم والقدرة والحياة ونحوها، فيرد عليه أن ما أفاده (قدس سره) من البيان في هذا النص لا يتضمن أي برهان على أن ارادته تعالى من الصفات الذاتية كالعلم والقدرة ولا إشارة إلى ذلك، وإنما هو بيان وتقريرا اختاره (قدس سره) من دون الإشارة إلى تبريره وسببه، فلذلك لابد من النظر إلى ما هو المبرر لاختيار الفلاسفة وجماعة من الأصوليين لهذه النظرية مع أن المستفاد من الكتاب والسنة إن إرادته به تعالى فعله كسائر أفعاله، اما من الكتاب فقوله تعالى: (إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) (1)، فإنه ناص في أن ارادته تعالى هي أمره التكويني ويعبر عنه بمشيئته