هو الإرادة، فلذلك التزموا بأن ملاك اختيارية الفعل هو كونه مسبوقا بها ومعلولا لها وإلا كان قسريا لا إراديا.
ولنا تعليق على هذه النظرية وهو أن الكلام في المسألة ليس في الاصطلاحات الفارغة وأن الفعل إرادي أو ليس بإرادي، وإنما الكلام في واقع الحال فيها، ومن الطبيعي أن الفعل واقعا لا يمكن أن يكون اختياريا إذا كان معلولا للإرادة، وذلك لأن الإرادة بتمام مقدماتها ومبادئها غير اختيارية، وهذه المقدمات والمبادئ معلولة لوجود عللها في الواقع وناشئة بالضرورة منها إلى أن تنتهي السلسلة إلى الواجب بالذات، وعليه فلا محالة يكون حال الفعل الصادر من الانسان بالإرادة كحال يد المرتعش واصفرار وجه الخائف عند الخوف الناشئ بالضرورة من عوامل مؤثرة في النفس واضطرابها الناشئة بالضرورة من عللها الطبيعية إلى أن تنتهي إلى الواجب بالذات، فإذن كيف يكون هذا الفعل اختياريا، فان الاختيار ينافي الوجوب لأن الوجوب مساوق للاضطرار المقابل للاختيار، وعلى هذا فلا فرق بين الفعل الصادر من الانسان بالإرادة وبين حركة يد المرتعش وحركة الأمعاء عند الخوف إلا في التسمية والاصطلاح، فيسمى الأول بالفعل الاختياري الإرادي، والثاني بالفعل الاضطراري القسري، وأما بحسب الواقع فلا فرق بينهما أصلا إذ كما أن عند تحقق الخوف تحقق حركة الأمعاء قهرا شاء أو لم يشأ، كذلك عند تحقق الإرادة في النفس تحقق الفعل في الخارج قهرا شاء أو لم يشأ.
والخلاصة، أن قاعدة أن الممكن ما لم يجب وجوده بالغير لم يوجد تحكم على فعل الانسان باعتبار أنه ممكن، ونتيجة هذا أنه غير مختار في أفعاله لمكان أنها تصدر منه بالضرورة والضرورة تنافي الاختيار ولا تجتمع معه، ولا زم ذلك قبح