أما في النقطة الأولى، فلأن الفرق بين الصفات الذاتية العليا والصفات الفعلية واضح، فإن الأولى عين ذاته تعالى في الخارج ولا يمكن فرض خلو ذاته عنها وإلا لزم أن تكون ذاته في مرتبة ذاته عاجزة وغير عالمة وبحاجة إليها وهو كما ترى، بينما الثانية عين فعله تعالى في الخارج يمكن فرض خلو ذاته عنها، ولذلك لا تدخل على الأولى أدوات النفي ولا الشرط ولا التمني والترجي وهكذا وتدخل على الثانية، ولعل منشأ التزامهم بالكلام النفسي هو خلطهم بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية بتخيل أن قيام جميع صفاته تعالى بذاته من قيام الصفة بالموصوف وإنها جميعا قديمة لا حادثة، فإن ذلك يؤدي إلى التزامهم بأن كلامهم تعالى نفسي لا لفظي، باعتبار أن كلامه اللفظي أمر حادث مسبوق بالعدم ويكون قيامه بذاته تعالى من قيام الفعل بالفاعل.
فالنتيجة، أن الكلام النفسي على ما ذكر له من المميزات والمواصفات في كلماتهم يشبه الخيال.
أما النقطة الثانية، فمن البديهي أنه لا يعقل أن تكون صفاته الذاتية العليا زائدة على ذاته المقدسة، إذ أنها لو كانت كذلك فلا تخلو من أن تكون وجودات مستقلة منفصلة عن الذات أو متصلة ومرتبطة بها وكلتاهما غير معقولة، أما الأولى فلأن لازمها خلو ذاته تعالى عن العلم والقدرة والحياة وهذا مستحيل.
وأما الثانية، فاتصالها إما بنحو التركيب أو بنحو العينية، أما الأول فهو لا يمكن لأن لازمه افتقار ذاته تعالى إلى تلك الصفات وبالعكس، باعتبار أن كل جزء من المركب بحاجة إلى جزء آخر في عملية التركيب، ومن الواضح أن هذه العملية بحاجة إلى فاعل أسبق وهكذا وهو كما ترى، وأما الثاني فهو المطلوب ولكنه خلاف ما بنوا عليهم في المسألة.