ومواضعها، فمجموع هذين الأمرين هو العلة المباشرة لبقائها، مثلا الكرة الأرضية التي تتحرك بسرعة فائقة في مدار حول الشمس من ناحية وحول نفسها من ناحية أخرى، معلولة لهذا الأمرين مباشرة هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى أن الخصائص الحيوية الذاتية في الأشياء كلما كانت أشد وأقوى كان التركيب والانسجام بين عناصرها ووحداتها كذلك، وبمرور الزمان تنقص تلك الخصائص الحيوية تدريجا في البنايات والصناعات وغيرهما وفي المقابل تظهر فيها علائم التفكك والانهيار إلى أن وصل النقص درجة الصفر، فإذا وصل هذه الدرجة انهار الانسجام والتركيب بين عناصرها وموادها تماما.
إلى هنا قد ظهر أمران:
الأول: أن الممكن مساوق للفقر والحاجة لا أنه شيء له الحاجة والفقر، لأن حاجته كامنة في صميم كيانه ووجوده لا في حدوثه فحسب وهو الوجود الأول المسبوق بالعدم.
الثاني: أن علة الحدوث في هذه الظواهر غير علة البقاء لا انها حرة في بقائها ومستقلة كما زعم ذلك الرجل المناقش، وقد مر أن هذا الزعم ناشئ من عدم التمييز بين العلة وغيرها.
فالنتيجة، في نهاية المطاف أن نظرية المعتزلة كنظرية الأشاعرة نظرية خاطئة جدا ولا واقع موضوعي لها ونشأت من الخطأ في فهم معنى العلية كنظام عام للكون ومغزى حاجة الأشياء إليها، ومن هنا قد ورد في جملة من الروايات ذم هذه الطائفة باعتبار أنهم يقولون بتعدد الآلهة بعدد أفراد البشر.