انتهاء عللها الفاعلية مئات السنين. فالنتيجة، أن هذه الظاهرة تبرهن أن المعلول يبقى بعد زوال العلة وانه يملك حريته بعد حدوثه، فإذن لا أصل لقانون التعاصر بين العلة والمعلول.
والجواب: أن هذه المناقشة مبنية على الخلط بين علة حدوث هذه الأشياء وعلة بقائها، ومنشأ هذا الخلط هو أن الرجل المناقش لم يدرك معنى العلية وضرورة حاجة المعلول إليها بشكل دقيق ولم يميز بين العلة وغيرها، وتخيل أن هذه الأشياء في حدوثها بحاجة إليها، وأما في بقائها فهي متحررة عنها ومستقلة ومالكة لحريتها عن التقيد بها هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى أن علة حدوث تلك الأشياء وتحققها هي نفس العملية التي يقوم بها المهندسون والفنانون وآلاف من أيادي العمالة بالتركيب والتصنيع وتجميع المواد الخام الأولية من الآجر والحديد والخشب والسمنت والجص وغير ذلك، وهي عبارة عن عدة من الحركات والتحريكات يقوم بها العمال وهذه الحركات معلولة للعمال ولا يمكن استغنائها عنهم في وجودها، بل تنقطع حتما في الوقت الذي ينصرف العمال فيه عن العمل، وهذا معنى أن المعلول لا يمكن أن يبقى بعد زوال العلة فيكون حدوث هذه الأشياء نتيجة عمل العمال وحركات أيديهم التي هي معلولة لسلطنتهم واختيارهم.
والخلاصة: أن عرض الرجل المناقش هذه الظواهر كأمثلة لتحرر المعلول بعد حدوثه عن علته نشأ من عدم التمييز بين العلة وغيرها، فإنا إذا أدركنا العلة الواقعية في هذه الأشياء والظواهر نستطيع أن نميز بين علة حدوثها وعلة بقائها، فإن علة حدوثها ما هو المعلول للعمال المشتغلين المتمثل في عدة من الحركات والتحريكات كما عرفت.