ومنشأ الثاني: عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في مقام الامتثال والفعلية، فإن صرف قدرته على امتثال أحدهما عجز عن الثاني، فينتفي بانتفاء موضوعه وهو القدرة.
ولذا قالوا: التزاحم تنافي الحكمين بحسب مقام الفعلية والامتثال، مع عدم المنافاة بينهما بحسب مقام الجعل والإنشاء.
وأما إذا لم يكن بين حكمين تناف لا بحسب مقام الجعل ولا بحسب مقام الفعلية والامتثال لم يكونا داخلين، لا في باب التعارض، ولا في باب التزاحم، لانتفاء ملاك كلا البابين فيهما. ومقامنا من هذا القبيل، ضرورة أنه لا تنافي بين واجب موسع وواجب مضيق أبدا، لا في مقام الجعل كما هو واضح، ولا في مقام الامتثال، لتمكن المكلف من امتثال كلا الواجبين معا من دون أية منافاة ومزاحمة في البين، فيقدر على إتيان الصلاة والإزالة معا، أو الصلاة وإنقاذ الغريق من دون مزاحمة بينهما أصلا.
وسر ذلك: أن ما هو مزاحم للواجب المضيق أو الأهم ليس بمأمور به، وما هو مأمور به - وهو الطبيعي الجامع بين المبدأ والمنتهى - ليس بمزاحم له، وهذا ظاهر.
ثم إنه لا يخفى أن ما ذكرناه: من أنه لا تزاحم بين الواجب الموسع والمضيق لا ينافي ما ذكره المحقق الثاني (قدس سره) من الثمرة بين القولين في المسألة، فإن دخول المقام تحت كبرى التزاحم وعدم دخوله تحت تلك الكبرى أجنبيان عن ظهور تلك الثمرة تماما كما لا يخفى.
وأما النقطة الثانية - وهي: اقتضاء نفس التكليف اعتبار القدرة في متعلقه - فهي مبنية على ما هو المشهور: من أن المنشأ بصيغة الأمر أو ما شاكلها إنما هو الطلب والبعث نحو الفعل الإرادي، والطلب والبعث التشريعيين: عبارة عن تحريك عضلات العبد نحو الفعل بإرادته واختياره، وجعل الداعي له لأن يفعل في الخارج ويوجده، ومن الضروري أن جعل الداعي إنما يمكن في خصوص الفعل الاختياري. إذا نفس التكليف مقتض لاعتبار القدرة في متعلقه بلا حاجة إلى حكم العقل في ذلك.