وعلى الجملة: فقد ذكرنا: أن مسألة دوران الأمر بين العام والمطلق خارجة عن كبرى مسألة التعارض، لعدم التنافي بين مدلوليهما في مقام الإثبات على الفرض، ضرورة أن العرف لا يرى التنافي بينهما أصلا، ويرى العام صالحا للقرينية على تقييد المطلق، ولا يفرق في ذلك بين كون العام متصلا بالكلام أو منفصلا عنه، غاية الأمر: أنه على الأول مانع عن ظهور المطلق في الإطلاق، وعلى الثاني مانع عن حجية ظهوره (1).
وأما القسم الرابع - وهو: ما إذا كانت دلالة كل منهما بالعموم - فلابد فيه من الرجوع إلى المرجحات السندية من موافقة الكتاب ومخالفة العامة على ما ذكرنا من انحصار الترجيح بهما، لوقوع المعارضة بينهما، فلا يمكن الجمع الدلالي بتقديم أحدهما على الآخر، وهذا واضح.
وأما القسم الخامس - وهو: ما إذا كانت دلالة كل منهما بالإطلاق، كما هو الغالب في أدلة الأجزاء والشرائط - فيسقط كلا الإطلاقين معا، إلا إذا كان أحدهما من الكتاب والآخر من غيره فيقدم إطلاق الكتاب عليه فيما إذا كانت النسبة بينهما عموم من وجه كما لا يخفى. وأما إذا لم يكن أحدهما من الكتاب أو كان كلاهما منه فيسقطان، وذلك لما ذكرناه: من أن التعارض بين الدليلين إذا كان بالإطلاق فمقتضى القاعدة: سقوط إطلاق كليهما والرجوع إلى الأصل العملي إذا لم يكن هناك أصل لفظي من عموم أو إطلاق، وليس المرجع في مثله المرجحات السندية، وذلك لعدم تمامية جريان مقدمات الحكمة في كل منهما في هذا الحال، فلا موجب لترجيح أحدهما على الآخر إذا كان واجدا للترجيح (2)، ومقتضى الأصل العملي في المقام هو التخيير، حيث إنا نعلم إجمالا بوجوب أحدهما من الخارج، فيكون المرجع أصالة عدم اعتبار خصوصية هذا وخصوصية ذاك.
ونتيجة ذلك: هي جزئية الجامع بينهما من دون اعتبار أية خصوصية.
وقد تحصل مما ذكرناه: أن الرجوع إلى مرجحات باب التعارض منحصر