جهة أخرى - كالمثال المتقدم - فهو غريب منه (قدس سره) وذلك لأن المثال المذكور وما شاكله داخل في باب التعارض، وليس من باب التزاحم في شئ.
والوجه فيه: هو أن ما دل على أن المال الواحد لا يزكى في السنة الواحدة مرتين (1) يوجب العلم الإجمالي بكذب أحد الدليلين، أعني بهما: ما دل على وجوب خمس شياه على من ملك النصاب الخامس ومضى عليه الحول، وما دل على وجوب بنت مخاض على من ملك النصاب السادس ومضى عليه الحول (2)، وإن كان لا تنافي بينهما بالذات، ومع قطع النظر عما دل على أن المال الواحد لا يزكى مرتين في عام واحد فيكون نظير ما دل على وجوب صلاة الجمعة في يوم الجمعة (3) وما دل على وجوب الظهر فيه (4)، فإنه لا تنافي بين دليليهما بالذات أصلا، لتمكن المكلف من الجمع بينهما. ولكن العلم الخارجي بعدم وجوب ستة صلوات في يوم واحد أوجب التنافي بينهما. إذا فلابد من الرجوع إلى قواعد باب المعارضة، ولا مساس لأمثال هذا المثال بباب المزاحمة أبدا، ولذا لو لم يكن ذلك الدليل الخارجي لقلنا بوجوب كليهما معا من دون أية منافاة ومزاحمة في البين.
ولكن العجب من شيخنا الأستاذ (قدس سره) كيف غفل عن ذلك وأدخل المقام في باب المزاحمة؟!
ونتيجة ما ذكرناه لحد الآن: هي أن التزاحم بين تكليفين في مقام الامتثال لا يعقل إلا من ناحية عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في ذلك المقام. وعليه فالتزاحم منحصر في قسم واحد ولا ثاني له.
إلى هنا قد تم بصورة واضحة بيان كل من التزاحم في الملاكات بعضها ببعض، والتزاحم في الأحكام. وعلى ضوء ذلك البيان قد ظهر أنه لا اشتراك بينهما أصلا لنحتاج إلى بيان نقطة امتياز أحدهما عن الآخر.