غير مرة أن الخطابات الشرعية بشتى أشكالها لا تتعرض لحال موضوعاتها وضعا ورفعا، وإنما هي تتعرض لحال متعلقاتها على تقدير وجود موضوعاتها، مثلا:
خطاب الحج كما في الآية المباركة (1) لا يكون متعرضا لحال الاستطاعة، ولا يكون ناظرا إليها وجودا وعدما، وإنما يكون متعرضا لحال الحج باقتضاء وجوده على تقدير وجود الاستطاعة وتحققها في الخارج بأسبابها المقتضية له، فلا نظر له إلى إيجادها، ولا إلى عدم إيجادها أصلا، ولا إلى أنها موجودة أو غير موجودة.
وكذا خطاب الصلاة، وخطاب الزكاة وما شاكلهما، فإن كلا منها لا يكون متعرضا لحال موضوعه، لا وضعا ولا رفعا، ولا يكون مقتضيا لوجوده ولا لعدمه، وإنما هو متعرض لحال متعلقه باقتضاء إيجاده في الخارج على تقدير وجود موضوعه.
والسر في ذلك: هو أن جعل الأحكام الشرعية إنما هو على نحو القضايا الحقيقية، ومعنى القضية الحقيقية: هو أن ثبوت المحمول فيها ووجوده على تقدير وجود الموضوع وثبوته، ونسبة المحمول فيها إلى الموضوع وضعا ورفعا نسبة لا اقتضائية، فلا يقتضي المحمول وجود موضوعه ولا يقتضي عدمه، فمتى تحقق الموضوع تحقق المحمول، وإلا فلا.
ومن هنا قلنا: إن القضية الحقيقية ترجع إلى قضية شرطية مقدمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول له. ومن الواضحات الأولية أن الجزاء لا يقتضي وجود الشرط ولا عدمه، ولذلك لو كان أحد الدليلين ناظرا إلى موضوع الدليل الآخر وضعا أو رفعا فلا ينافي ما هو مقتضى ذاك الدليل أبدا، لأنه بالإضافة إلى موضوعه لا اقتضاء فلا يزاحم ما يقتضي وضعه أو رفعه، ولذا لا تنافي بين الدليل الحاكم والمحكوم والوارد والمورود.
وعلى ذلك الأساس نقول: إن عصيان الأمر بالأهم - في محل الكلام - وترك متعلقه بما أنه مأخوذ في موضوع الأمر بالمهم فهو لا يكون متعرضا لحاله وضعا