بولا لحيوان مأكول اللحم، وفيه إشكال من وجهين:
الأول: أن المناط في الحكم إن كان هو التسمية، فإذا تحول الحنطة النجسة طحينا أو خبزا أو اللبن سمنا، فيلزم طهارتها وهو باطل جزما، وإن كان المناط تبدل القيمة والماهية، فما الدليل عليه؟ ثم ماذا معيار تبدل الماهية والحقيقة فقد تراهم يحكون بطهارة الرماد دون الفحم، وطهارة الخمر بانقلابه خلا، فما الفرق بين الامرين؟ بل تبدل العذرة بالفحم ليس بأحق من تبدل الخمر بالخل، وإن لوحظ فيه تبدل الخواص بالمرة ففي ذلك أيضا عرض عريض لا يمكن ضبطه غالبا، ويمكن أن يقال: المعيار هو تبدل الحقائق عرفا لا محض تغير الأسماء وهذا يتم فيما كان مقتضى الحكم هو نفس الحقيقة كالعذرة والكلب، فإن علة الحرمة والنجاسة في أمثالها من النجاسات عينا والمحرمات عينا هو ذاتها، فيتبع ثبوت الحكم بقاء الحقيقة، ومع انتفاء الحقيقة فلا حكم، فكأنه قال الشارع: الكلب نجس أو حرام ما دام كلبا والعذرة نجس ما دامت عذرة، فإذا استحال ماهيته فينتفي الحكم.
وألحق بعض الفقهاء المتنجس كالخشب المتنجس بالنجس بالأولوية، وفيه نظر، فإن من الظاهر أن نجاسة الخشب حينئذ ليس لأنه خشب لاقى نجسا " بل لأنه جسم لاقى نجاسة، وهذا المعنى لم يزل.
والحاصل: أن الحقائق المتخالفة عرفا كالعذرة والتراب والرماد لها أحكام مستقلة برأسها سواء كانت متوافقة في الحكم أو متخالفة، واما مسحوق ماهيته كالطحين للحنطة أو منضوجها كاللحم المطبوخ والخبز ونحو ذلك فلا يتبدل بذلك حقيقتها عرفا كما لا تتبدل حقيقته أيضا، فما ثبت تبدل حقيقته عرفا فينتفي فيه حكم الاستصحاب لثبوت التعارض حينئذ بين ما دل على حكم حقيقة المستحال إليه، وما يستصحب من حكم المستحيل،