المفروض أن الدليل على الحكم في الزمان الأول - في استصحاب القوم - لا يدل على الاستمرار، بل يحتمل أن يكون قد أريد منه الاستمرار، ويحتمل أن يكون قد أريد منه بيان الحكم في الزمان الأول فقط.
وعلى التقدير الأول: فيحتمل أن تكون العلة للحكم في الزمان الأول هي بنفسها علة للحكم في الزمان الثاني. ويحتمل أن تكون غيرها.
وعلى التقدير الثاني: فيحتمل أن يثبت الحكم في الزمان الثاني بدليل آخر غير هذا الدليل الأول المسوق لبيان الحكم في الزمان الأول، ويحتمل أن لا يثبت الحكم في الزمان الثاني، كما لم يكن الدليل الأول شاملا له أيضا.
فهذه أربعة احتمالات، يكون الحكم في الزمان الثاني في الثلاثة الأولى منها هو نفس الحكم في الزمان الأول، وحينئذ فنقول:
القطع الذي يحصل - بفرض ارتفاع الشك في زمانه - بثبوت الحكم كما كان في السابق قد يحصل بكشف كاشف عن أن الدليل الأول كان دالا على الاستمرار، وقد يحصل بكشف كاشف عن ثبوت الحكم في الثاني - وإن لم يكن المقصود من الدليل الأول ذلك - وكذلك قد يحصل بالكشف عن بقاء نفس علة الوجود في الأول إلى الزمان الثاني، وقد يحصل بالكشف عن تجدد علة أخرى غير الأولى، ولو كانت المغايرة بتبدل جزء من أجزاء العلة الأولى.
ولا شك أن هذا القطع الحاصل على فرض ارتفاع الشك بجميع أطواره المذكورة لم يكن له موجب في الآن الأول، إذ لم يوجد في الآن الأول إلا أمور ثلاثة: الدليل الذي دل على الحكم في الزمان الأول، واليقين بنفس الحكم المدلول عليه بذلك الدليل، واليقين بوجود العلة لهذا الحكم المكشوف عنها بذلك الدليل، ومعلوم أن لا شئ من هذه الثلاثة يوجب القطع المذكور