والآيات والاخبار الناهية عن العمل بالظن من هذا القبيل، بمعنى أنه يجوز أن يخاطب الله ورسوله المشافهين بأنكم: " لا تعملوا بالظن، ويحرم عليكم العمل بالظن "، حتى أنه لو صار هذا ظنيا لم يجز لمن صار هذا عنده مظنونا أن يعمل به ويحكم لاجله بحرمة العمل بالظن، بل لابد أن يتوقف حينئذ عن الحكم بالحرمة، ويلتمس الدليل من الخارج على الحرمة أو الحلية، لا أنه يباح له حينئذ العمل بالظن، حتى يلزم خلاف مقصوده من الكلام المنساق لإفادة مقصوده، كما لزم في مثال " لا تعمل بشئ مما أكلفك ".
والفرق بينهما: هو أن نفس هذا القول الصادر - أعني " لا تعمل بما أكلفك " - داخل في عموم " ما أكلفك " في أن الصدور، بخلاف قوله:
" لا تعمل بالظن "، فإن هذا الكلام الشفاهي الملقى إلى المخاطب - المفروض حصول العلم منه بالحكم - ليس داخلا في الظن حتى يرفعه مدلوله، بل قد يصير بعد ذلك ظنا، فارتفاعه بنفس مدلوله بعد صيرورته ظنا لا يوجب تناقضا في الكلام، وأما فهم العرف فليس هو الخروج أيضا.
فحصل من جميع ذلك: أن الفرد المنافي بعمومه اللفظي لباقي الافراد - الذي يتراءى منافاته لنفسه أيضا - قد يكون منافيا لنفسه عند التأمل، وقد لا يكون " فكلما كان منافيا لنفسه، فيحكم بعدم دخوله تحت العموم وعدم ثبوت الحكم العام له، إذ لو ثبت حكم العام له - والمفروض أنه رافع لنفسه كما أنه رافع لغيره من الافراد - فيلزم من ثبوت الحكم له عدم ثبوت الحكم له، فيسلم الافراد الباقية عن المعارضة، كما في مسألة جواز العمل بالظن، فإن عموم جواز العمل بالظن لو شمل الآيات والاخبار الناهية وثبت جواز العمل بظنها فيلزم ثبوت عدم جواز العمل بظنها، لأنها تحرم العمل بكل