أما أولا: فلانه بعد ما ذكرنا لك في المقدمة الثالثة أن الكلام في حكم العمل بالظن، مع قطع النظر عن لزوم محذور في ترك العمل به من الخارج، فلا مجال لاحتمال وجوبه تعيينا - بحيث يترتب على تركه الضرر -، غاية الامر احتمال الوجوب التخييري، ومن المعلوم أنه لا ضرر في تركه، فاحتمال الضرر في الفعل سليم عن المعارض.
وبعبارة أخرى: لا فرق في حكم العقل بوجوب الترك بين دوران الامر بين الحرمة والإباحة، أو بين الحرمة والوجوب التخييري، لعدم ضرر على الترك فيهما.
وأما ثانيا: فلانا لو سلمنا أن في تركه أيضا احتمال الضرر، لكن نقول:
إن احتماله في الفعل أقوى من احتماله في الترك، سواء قلنا بأن احتماله في الفعل مظنون أو مشكوك أو موهوم، لتفاوت مراتب الظن والوهم، وترك الأقوى احتمالا للضرر متعين بحكم العقل.
وأما ثالثا: فلانا لو سلمنا تساوي الاحتمالين في القوة والضعف - بأن فرضناهما مشكوكين أو مظنونين بمرتبة واحدة من الظن، أو موهومين كذلك - لكان غاية ذلك: دوران الامر بين الوجوب والحرمة، ونحن وإن كنا لا نقول بترجيح جانب الحرمة عند دوران الامر بينها وبين الوجوب بقول مطلق، إلا أنا نقول به في ما إذا علمنا بأن الأثر المترتب على الفعل - على فرض الحرمة - هو لزوم المفسدة، والأثر المترتب على الترك - على فرض الوجوب - هو فوت المنفعة، أو شككنا في أنه فوت المنفعة أو لزوم المفسدة، كما في ما نحن فيه، فإن العقل يحكم بأولوية دفع المفسدة على جلب المنفعة عند احتمالهما، وبأولوية ترك ما يحتمل فيه المفسدة على فعل ما يحتمل في تركه لزوم المفسدة أو فوت المنفعة.