عليه ما قيل (1): إن هذا الدليل جار فيما إذا ثبت تحقق حكم في الواقع مع الشك في تحققه بعد انقضاء زمان لابد للتحقق منه، وهذا هو الذي اجرى القوم فيه الاستصحاب بتقريب أن الدليل للحكم يحتمل أن يراد منه وجود الحكم في الزمان الذي يشك في وجود الحكم فيه، وأن يراد منه عدم وجوده فيه، ولا يحصل اليقين بالبراءة إلا بالامتثال في زمان الشك أيضا، فإن الاتيان إلى الغاية جزء المأمور به - مثلا - فما فرضه، بخلاف فرض استصحاب القوم، ففي استصحابهم لا يثبت شغل الذمة إلا بالحكم في الجملة، ولا ما قيل: إن تحصيل القطع أو الظن بالامتثال إنما يلزم مع القطع أو الظن بثبوت التكليف وفي زمان الشك ليس شئ منهما حاصلا لأنا نقول لا حاجة إلى دليل آخر يدل على ثبوت التكليف في أن الشك، بل التكليف الأول لما كان مركبا، لا يحصل الامتثال به إلا بإتيان جميع أجزائه سواء بقي اليقين بالتكليف أو الظن أو الشك.
والحاصل: أن الاستصحاب وإن أمكن فرض تحققه فيما نحن فيه لكنه لا حاجة إلى تحققه ولا التمسك به وذلك نظير أصل البراءة فكما أنه - بالذات - يقتضي رفع التكليف حتى. يثبت التكليف سواء اعتبر استصحابه أم لا، فشغل الذمة - أيضا -: يقتضي إبراءها سواء اعتبر استصحابه أم لا، وإنما اكتفى بحصول ظن الامتثال مع أن المعتبر في رفع شغل الذمة اليقيني هو اليقين بالرفع تنبيها على كفاية الظن الاجتهادي الذي هو بمنزلة اليقين، فلو كان حصول الغاية الموصوفة المذكورة بظن معتبر فيكفي في الامتثال، وهذا كلام سار في مطلق التكليف الثابت ولا اختصاص له باستمرار الحكم