الأنباري: كان الذي سألوه من المسامحة يشبه التصدق، وليس به.
والثاني: برد أخينا، قاله ابن جريج، قال: وذلك أنهم كانوا أنبياء، والصدقة لا تحل للأنبياء.
والثالث: وتصدق علينا بالزيادة على حقنا، قاله ابن عيينة، وذهب إلى أن الصدقة قد كانت تحل للأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، حكاه أبو سليمان الدمشقي، وأبو الحسن الماوردي، وأبو يعلى بن الفراء.
قوله تعالى: (إن الله يجزي المتصدقين) أي: بالثواب. قال الضحاك: لم يقولوا: إن الله يجزيك إن تصدقت علينا، لأنهم لم يعلموا أنه مؤمن.
قوله تعالى: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه) في سبب قوله لهم هذا، ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه أخرج إليهم نسخة الكتاب الذي كتبوه على أنفسهم ببيعه من مالك بن ذعر، وفي آخر الكتاب: " وكتب يهوذا " فلما قرؤوا الكتاب اعترفوا بصحته وقالوا: هذا كتاب كتبناه على أنفسنا عند بيع عبد كان لنا، فقال يوسف عند ذلك: إنكم تستحقون العقوبة، وأمر بهم ليقتلوا، فقالوا: إن كنت فاعلا، فاذهب بأمتعتنا إلى يعقوب، ثم أقبل يهوذا على بعض إخوته، وقال: قد كان أبونا متصل الحزن لفقد واحد من ولده، فكيف به إذا أخبر بهلكنا أجمعين؟ فرق يوسف عند ذلك وكشف لهم أمره، وقال لهم هذا القول، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنهم لما قالوا: " مسنا وأهلنا الضر " أدركته الرحمة، فقال لهم هذا، قاله ابن إسحاق.
والثالث: أن يعقوب كتب إليه كتابا: إن رددت ولدي، وإلا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك، فبكى، وقال لهم هذا. وفي " هل " قولان:
أحدهما: أنها استفهام لتعظيم القصة لا يراد به نفس الاستفهام. قال ابن الأنباري:
والمعنى: ما أعظم ما ارتكبتم، وما أسمج ما آثرتم من قطيعة الرحم وتضييع الحق، وهذا مثل قول العربي: أتدري من عصيت؟ هل تعرف من عاديت؟ لا يرد بذلك الاستفهام، ولكن يريد تفظيع الأمر، قال الشاعر:
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي لم يرد الاستفهام، إنما أراد أن هذا غير مرجو عندهم. قال: ويجوز أن يكون المعنى: هل علمتم عقبى ما فعلتم بيوسف وأخيه من تسليم الله لهما من المكروه؟ وهذه الآية تصديق قوله:
(لتنبئنهم بأمرهم).