فالجواب: أن الاستواء وقع في بداية الهمة، ثم ترقت همتها إلى العزيمة، بدليل مراودتها واستلقائها بين يديه، ولم تتعد همته مقامها، بدليل هربه منها، وقوله: " معاذ الله " [وعلى] ما يروى عن المفسرين أنه حل السراويل وقعد منها مقعد الرجل، فإنه لو كان هذا، دل، على العزم، والأنبياء معصومون من العزم على الزنا.
والقول الثاني: أنها همت به أن يفترشها، وهم بها، أي: تمناها أن تكون له زوجة، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والقول الثالث: أن في الكلام تقديما وتأخيرا، تقديره: ولقد همت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها فلما رأى البرهان، لم يقع منه الهم، فقدم جواب " لولا " عليها، كما يقال: قد كنت من الهالكين، لولا أن فلانا خلصك لكنت من الهالكين، ومنه قول الشاعر:
فلا يدعني قومي صريحا لحرة * لئن كنت مقتولا وتسلم عامر أراد: لئن كنت مقتولا وتسلم عامر، فلا يدعني قومي، فقدم الجواب. وإلى هذا القول ذهب قطرب، وأنكره قوم، منهم ابن الأنباري، وقالوا: تقديم جواب " لولا " عليها شاذ مستكره، لا يوجد في فصيح كلام العرب، فأما البيت المستشهد به، فمن اضطرار الشعراء، لأن الشاعر يضيق الكلام به عند اهتمامه بتصحيح أجزاء شعره، فيضع الكلمة في غير موضعها، ويقدم ما حكمه التأخير، ويؤخر ما حكمه التقديم، ويعدل عن الاختيار إلى المستقبح للضرورة، قال الشاعر:
وجزى ربه عني عدي بن حاتم * بتركي وخذلاني جزاء موفرا تقديره: جزى عني عدي بن حاتم ربه، فاضطر إلى تقديم الرب، وقال الآخر:
لما جفا إخوانه مصعبا * أدى بذاك البيع صاعا بصاع أراد: لما جفا مصعبا إخوانه، وأنشد الفراء:
طلبا لعرفك يا ابن يحيى بعدما * تتقطعت بي دونك الأسباب فزاد تاء على تاء " تقطعت " لا أصل لها ليصلح وزن شعره، وأنشد ثعلب:
إن شكلي وإن شكلك شتى * فالزمي الخفش وانعمي تبيضضي فزاد ضادا لا أصل لها لتكمل أجزاء البيت، وقال الفرزدق:
هما تفلا في في من فمويهما * على النابح العاوي أشد لجاميا