الأعلى من مقام الشيطنة وأرفع منها * (وقلنا) * بالوسائط المقررة للمكالمة والمخاطبة: * (اهبطوا) * هبوطا موقتا محدودا، فإنه بعد ما تاب بتلقي الكلمات من ربه رجع إلى ذلك المقام والمرتبة * (بعضكم لبعض عدو) *، فإن كل واحد منها أزل الآخر، فيكون عدوا له * (ولكم في الأرض) * ولكل واحد منكما في الأرض - التي جعلنا آدم فيها خليفة - مقام مناسب، و * (مستقر) * غير متزلزل، لا يزل أحدكما الآخر فيها كي يهبط لما لا وراء بعد الأرض * (ومتاع إلى حين) * تلقي الكلمات والقرب وقبوله، فإنه هو التواب الرحيم.
وقريب منه: * (فأزلهما الشيطان عنها) *، أي الشجرة الغير المنهي عنها، فقربا منها * (فأخرجهما) * الله تعالى لعصيانهما بالقرب من تلك الشجرة، وقد كان القرب منها، فإن الشيطان أدون من أن يتمكن من الإخراج، سواء كان جنة الدنيا والآخرة، أو جنة المقام والمنزلة الرفيعة * (مما كانا فيه) * أي خرجا في الحقيقة - طبعا وقهرا بعد ذلك القرب المنهي عنه - مما كانا فيه، ومصحح النسبة سببية الإزلال المستند إلى الشيطان بوجه، وبعد الخروج تعلقت الحكمة الإلهية والرحمة العامة الرحمانية بل والخاصة الرحيمية، فقال: * (وقلنا اهبطوا) * إلى الأرض، ولا تكونوا حيارى وسكارى، وبلا مسكن ومتاع * (بعضكم لبعض عدو) * وقد كان إخراجه تعالى إياهما عن جهة واستحقاق وهي عداوة بعضهم لبعض، وحيث لا يفارقهما الشيطان المقرون معهما الممخور طينتهما به، انقلبت ضمائر التثنية إلى الجمع بعد ذلك، بل كان ابتداء الضمائر واحدا، حيث قال تعالى: * (يا آدم أسكن أنت) * ثم تبدلت