لا حاجة بعد ذلك إلى الأمر بالاستفادة واستيفاء مواد الحياة والأغذية، قال الله تعالى رحمة عليه: * (وكلا منها رغدا) * عيشا واسعا وأنتم في السعة، من غير كونه لازما، بل جنابكما في نهاية السعة والرحمة إلا أنه هناك شئ مكلف أنت به، وهو تكليف زوجك بعد تلك السعة العامة من جهات شتى * (و) * هو أنه * (لا تقربا هذه الشجرة) *، ومع ذلك فيه ملحوظ خيركم وصلاحكم، وروعي فيه جانبكم ومستقبلكم، لقوله: * (فتكونا من الظالمين) *، أي كي لا تكونا - أو لا تكونان، أو غير ذلك - من المتعدين المشابهين للأسلاف والسابقين المعلومين عندكم، فإن الله علم آدم الأسماء كلها، فيعلم أنه كان في السابق في الأرض، أي هذه الكرة، أو في الدنيا هذه المنظومة أو في الأجسام وعالمها أو غير ذلك، أي في موضع من الأرض، ويشير إلى ذلك قوله تعالى: * (من الظالمين) * الكافرين المتعدين المتجاوزين، وإلا فالأنسب أن يقال: فتكونا ظالمين، ولكن بعد اللتيا والتي، وبعد تلك الكرامات والمبرات العامة الروحية والجسمية، ثبت له أنه ضعيف جدا، ويستعد للانحراف اليسير كثيرا، فلا يصير مغرورا يدعي الألوهية والصنمية. نعوذ بالله العزيز.
وقريب منه: * (يا آدم) * توجه إلى أنك آدم، ولك الوظيفة الإنسانية وفيك الآدمية، فعليك الإصغاء إلى أوامر ربك الذي جعلك خليفة وأتاك من النعم ما لا يحصى، ولأجل أمثال هذه الالتفاتات والتوجيهات، كرر لفظة آدم، مع أنه كان يمكن أن يقال: " وقلنا: أسكن أنت " ففي ذلك إيماء أحيانا إلى ما أشير إليه.
* (أسكن أنت وزوجك) * واتخذ في * (الجنة) * السكن والقرار،