البحث الثاني حول الحياة البرزخية ذهب جمع إلى أنه لا حياة بعد الموت إلا الحياة الأخروية، وهي القيامة، فلا برزخ، بمعنى الحياة المتوسطة. نعم هناك برزخ إلى يوم يبعثون.
ومما يشهد عليه هذه الآية الشريفة (1) فإن قوله تعالى: * (ثم يميتكم) * هو الموت عن هذه الحياة الدنيوية * (ثم يحييكم) *، وهي الحياة الأخروية، * (ثم إليه ترجعون) * وهي الرجوع إلى ساحة الحساب بعد ذلك الموت وتلك الحياة، ولو كان الإنسان منتقلا من هذه النشأة إلى الحياة المتوسطة، لما كان وجه لقوله تعالى: * (ثم يحييكم) *، فالتراخي يشهد على طول مدة الممات، وهو في البرزخ، ويؤيده قوله تعالى: * (ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) * (2) بل الإحياء بعد الإماتة يشهد على عدم الحياة المتوسطة، وإلا فلا معنى للموت أصلا، لأن الإنسان دائم الوجود في النشآت المختلفة، فالآية تدل على خلاف ما ذهب إليه جمع المتكلمين والفلاسفة.
وبالجملة: صارت المسألة فلسفية وخرجت عن الكلامية، ولو انحلت المعضلة عند الفيلسوف فتنحل عند غيره بالأولوية القطعية، لأن الآية أظهر في فساد مرامهم من إنكار موت الإنسان رأسا ثم الحياة، كما لا يخفى.