وأسوأ منه الاحتمال الثاني، وما زعموا ذلك إلا من جهة ما رأوا في البحث السابق.
والذي هو الأقرب: أنه للتليين والتوجيه المشفوع بالإرفاق واللينة، فينادي: كيف تكفرون بالله؟! وكيف يجوز أن يكون مجرد استبعادكم للأمثال وضرب المثل موجبا لكفركم؟ مع أن الله تعالى صنع كذا وكذا، ورباكم وهو رحيم بكم عطوف عليكم، خلقكم وخلق ما في الأرض لكم، وأنتم إلى عنايته ترجعون وإلى رحمته تعودون، فلا ينبغي أن تكفروا بمثله.
وإن شئت قلت: من وجوه البلاغة التلطيف بعد التشديد، وحيث إن قوله تعالى: * (إلا الفاسقين * الذين...) * إلى آخره، كان فيه تشديد بالنسبة إلى الكافرين بشكل الغيبة، فاريد هنا تلطيف خواطرهم وميولهم.
الوجه الثالث الالتفات من الغيبة إلى الحضور فمن هنا يظهر الثالث من وجوه البلاغة وهو الالتفات من الغيبة إلى الحضور، فإن في تلك الغيبة كان تشديد، ومتوجه ذلك إليهم بطريق غير مستقيم، فحصل العدول منها إلى الحضور، نظرا إلى كسر تلك الشدة والعنف، فجاء بكلام لين مشحون باللطف والتوجيه والوعظ البالغ، فلا تخلط.