تعالى: * (من بعد ميثاقه) * أيضا أعم حسب الظاهر، فلا يخص بالتحكيم والتوثيق العقلاني بالأدلة العقلية أو الشرعية أو العرفية، فإن الكل في مقابل الفطرة السليمة والطبيعة المستقيمة. وعلى هذا يحمل الآية: * (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) * مع أنه مجمل ومبهم إلا أنه مبين عند مراجعة الفطرة المخمورة الآمرة بإيصال النفس إلى منزل الوحي، والآمرة بوصل الناس للناس والآمرة بتربية القوى الداخلية بالعمل بعهد الله... وهكذا.
* (ويفسدون في الأرض) * ولا يصلحون فيها، ويفسدون فيها، ولا يمنعون عن الفساد المتوجه إليها، ولا يسدون طريقه، فإن ترك العمل بعهد الله وترك ما أمر به أن يوصل، عين الفساد والإفساد في الأرض، لأن تلك الأوامر تتضمن المصالح الشخصية الفردية والنوعية الجمعية، وعند ذلك * (أولئك) * فقط * (هم الخاسرون) * دون غيرهم، فإن الخسران بحسب المعيشة الحيوانية ليس من الخسران في القرآن واقعا بل ولا عند شريعة العقد.
وأما على مسلك الحكيم * (إن الله لا يستحيي) * لانتفاء مبادئ الاستحياء في جنابه تعالى، وانعدام أحكام المادة الانفعالية في حضرته القدسية * (أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها) *، لاستواء الأشياء بالنسبة إليه تعالى وتقدس، فإن الإنسان الكبير والصغير والجسم الكلي والجزئي إضافات بالقياس إلينا، والأشياء في حضرته الإلهية على حد واحد، وعليه يحمل الإحلاف القرآنية في السور الصغار.