الوجه الرابع عشر لغوية ضرب الأمثال للكفار وغرابة إقرارهم بكثرة المؤمنين من وجوه البلاغة كون الخطابة جامعة لجهات الهداية، ومانعة عن زلل الغواية، وصريح الآية الكريمة الشريفة: أن الناس صنفان في قبال الأمثال، فمنهم من يقول: إنه الحق، ومنهم من يقول: * (ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) *، فإذا كانت الأمثال المضروبة في ذلك الشأن من شؤون التأثير فالترك أولى.
أقول: وهنا مشكلة أخرى وهي: أن الذين كفروا كيف يقولون يهدي به كثيرا، ويقرون بذلك وبهدايتهم بالقرآن، فإن الإقرار بالهداية والاعتراف بالنورانية، يناقض بقاءهم على الكفر والإلحاد؟ وكيف يذعنون بأن القرآن كتاب الهداية في الجملة، ويوجهون الاعتراض على الأمثال فقط، دون سائر الجهات الموجودة فيه؟ بل قوله تعالى: * (ماذا أراد الله بهذا مثلا) * يشهد على أنهم يعتقدون أنه من قبل الله، وبإرادة الله تعالى، وعلى هذا كيف تكون حالهم كفرا وإيمانا؟
قلت: تنحل المشكلة الأولى: بأن هذه القسمة مقول قول الكافرين، وهو غير صحيح، ومقالتهم باطلة، فلا يضل بالأمثال أحد إلا حسب خيالهم، ولا يلزم أن يكون مقول قول الكافرين صدقا وعدلا إذا كان محكيا في