الحقائق العلمية الحكمية لا تنقص من الإطلاقات العرفية، فتلك الجنة من جنات الأرض إلا أنها لمثل آدم المجرد عن جميع الشهوات، البالغ إلى حد المسجود لملائكة السماوات، جنة لا يجوع فيها ولا يعرى، ولا يظمأ فيها ولا يضحى، وأما بعد ما مال إلى الجهات الوهمية والنفسانية، تصير تلك الجنة جنة محكومة على خلاف تلك الأحكام، ولكن ليس له ذلك، ولذلك ترى أنه تعالى يقول: * (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه) * أي من الخاصة والمنزلة، ولذلك قال في سورة طه: * (فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) * (1)، فيعلم لمكان الفاء وقوله تعالى: * (من ورق الجنة) * أن هذه الجنة عين الجنة التي كان آدم فيها قبل الإغواء والعصيان، وليس خروجهما من الجنة بحسب المكان، وهكذا قوله تعالى: * (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما...) * (2) إلى آخرها، فالأمر - بحمد الله - صار واضحا كالشمس في رائعة النهار، وصار العقل والكتاب متناصرين بعد ما كان الكل واحدا بالضرورة.
البحث الثاني حول دلالة الآيات على الجزاف لا شبهة في أن الجزاف غير جائز عند أبناء التحقيق وأصحاب الفلسفة العليا، خلافا لبعضهم معتقدين أن الأمر كله لله تعالى، وهذه