نفخت فيه من روحي، وفي مجئ الفاء إشعار بالتدرج المتنقل إلى الكمال آنا فآنا، وفي توحيد المخاطب إشعار بوحدة الموضوع في الحركة * (ثم يميتكم) * فلا يكون فناء وإلحاقا إلى الفناء والعدم، لقوله تعالى: * (ثم يحييكم) * وإلا تلزم إعادة المعدوم، * (ثم إليه ترجعون) * في القيامة.
وقريب منه: * (ثم يميتكم) * بزوال البدن المادي وبروز القشر الثاني، وهذا هو الإحياء الثاني بظهوركم في البدن الحقيقي البرزخي، الذي هو محجوب بالبدن المادي المرفوض في الموت الأول، * (ثم إليه ترجعون) * برجوعكم إلى ذلك البدن القائم بكم قيام صدور ولستم حالين فيه، بل هو قائم بكم قضاء لانحفاظ ذلك البدن بعينه عندكم، ضرورة أن للشئ غير الكون في الأعيان كون بنفسه لدى الأذهان، وهذا هو من خواص الوجودات الذهنية والوجودات المحفوظة في خزانة النفس وصقع الخيال.
وأما على مسلك المتكلم * (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا) * غير أحياء في الأصلاب وفي نشأة من الأرحام ثم * (أحياكم) * بإنزال الروح من عالم الأرواح إلى أبدانكم، فكنتم أحياء ف * (يميتكم) * بأن أخذ ملك الموت أرواحكم، فصرتم أجزاء متشتتة، صغارا فانية، في عالم الأجسام والأزمان، ولكنه يبقى منكم جزء صغير فيه استعداد الحركة والنمو والترقيات المادية، فأحياكم برجوع الروح إلى البدن المستجمع فيه الأجزاء المنتشرة، * (ثم إليه ترجعون) * لتصفية الحساب وتعيين المصير من الثواب والعقاب.