الجنة رزقهم وهم في الدنيا ولا يعملون ذلك، فإذا دخلوا الجنة فهم قد عرفوا بها وكانوا يستنكرون * (وأتوا به متشابها) * لما عندهم في بساتين الدنيا وجناتهم، ولما عندهم في الربوات في جميع الجهات في الاسم والمسمى والخصوصيات * (ولهم فيها أزواج مطهرة) * من المنفرات للطبع حسب اختلاف طباعهم، ولا يزداد عليه، وهن أيضا متشابهات لما لهم في الدنيا، لأن فيه اللذة الأكثر والأوفر وهذا يستفاد من قوله تعالى: * (وأتوا به متشابها) * لأنه معلل حسب الظاهر بأن التشابه لأجل الأقربية إلى الالتذاذ الأكثر والأملح، ومقتضى هذا التعلل تشابههن مع نسائهم فيما يوجب الالتذاذ، مطهرات عما يستقذر منه الطبع * (وهم فيها خالدون) * إن شاء الله تعالى.
وعلى مسلك أصحاب الحكمة وأرباب الدقة * (بشر الذين) * والامتثال في نفس حكاية هذه الآية وقراءتها على الأمر * (آمنوا) * وبلغوا إلى مرتبة الحكمة العقلية والفلسفة النظرية وأذعنوا بالبراهين اللمية والإنية بما هو المطلوب للشريعة المقدسة الإلهية، فإن الإيمان في مصطلح الكتاب والسنة ليس مجرد لقلقة اللسان والإقرار في قوالب الألفاظ، ف * (بشر الذين آمنوا) * ورسخت في قلوبهم الأحكام العقلية، المؤيدة بالشرائع الإلهية والإسلامية * (وعملوا الصالحات) * فعقبوا تلك الأعمال القلبية والعقائد - الحاصلة من الحكمة النظرية - بالحكمة العملية، فعينوا بعين الشريعة والفطرة في الإتيان بالأعمال الصالحة عند العقل السليم والفطرة المستقيمة المخمورة، لا العقول المنحرفة والفطرة المحجوبة بقشور الظلمات