توجيه أخلاقي وفيه أسرار إلهية إعلم يا أيها الآدمي بل ويا آدم: أنت بحسب الخلقة الأولية، وبحسب الفطرة الإلهية مسجود الملائكة أجمعين أكتعين، فكلهم خاضعون ساجدون ومسخرون عندك، حسب مراتب وجودك ومراحل حقيقتك ومنازل مسيرك وسفرك، وقد أمر الله بذلك، وكان الله تعالى ربك رؤوفا بك عطوفا عليك رحيما رحمانا، اصطفاك خليفة، وعلمك ما لم تكن تعلم، واستعرضك كي تجد الملائكة مقامك ومنزلتك، وبعد ذلك كله خضعت الملائكة وسجدت تكوينا لك، وتلك الملائكة الأعلون والأسفلون امتثلوا أمر الله تعالى امتثالا دائميا سرمديا، وأطاعوا أمر الله تعالى إطاعة مسجلة في ذواتهم، وانقيادا لا يتصور وراءه تكوينا وتشريعا.
فإذا كانت هذه الحقيقة في انتظارك، وتلك البارقة اللاهوتية في خميرتك، وهذه المائدة الكلية الجامعة في جوارك، فهل إلى التخلية عن الرذائل الذاتية، والتخلية عن الخبائث الصفاتية، وعن المفاسد الأفعالية والأباطيل الأقوالية، قصور وفتور؟! كلا إنه خلاف العدالة، وضد الإنصاف والاقتصاد، فإن إبليس أبى واستكبر، وتفوق بإبائه واستكباره