رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعليه أن يبشر بعد ذكر الآية بالبشارات المخصوصة به، واكتفاؤه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقراءة الآية دليل على ما ذكرناه. وعلى هذا يصير الكلام أجزل وأعظم وأفخم وأصدق وأوثق، وإلى البلاغة أقرب وأصوب جدا.
الوجه السادس تغيير الخطاب من المشركين إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يوهم تغيير الأسلوب أن هناك خلاف البلاغة، ضرورة أن مخاطبة الله للناس وللشاكين المرتابين، أهم وأعز من مخاطبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المؤمنين: بأن لهم الجنة، فكان العكس أولى وأليق، كما نجد ذلك في سورة الجمعة، حيث نزلت الآية هكذا: * (قل يا أيها الذين هادوا) * (1)، ثم نزلت في حق المؤمنين * (يا أيها الذين آمنوا) * فإن في ذلك نوع تفخيم للمؤمنين، وهنا انعكس الأمر حيث قال الله تعالى: * (يا أيها الناس) *، وقال تعالى: * (و بشر الذين آمنوا) *.
أقول: قد عرفت أن جملة " بشر " ليس إلا بصورة الخطاب، وإلا فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر المؤمنين في عرض واحد في هذه البشارة، وأن المبشر هو الله في الحقيقة. هذا أولا.
وثانيا: إن المقام في هذه الآيات مقام التلطيف وإبراز الرحمة والرأفة والتوجه الخاص، لأن المنظور جلب الناس إلى الإيمان بالبرهان، ولا يكون مقام التوبيخ والتثريب، فالأنسب أن يخاطب الناس