فالبعوضة ولو كانت أصغر حيوان، أو ما فوقها كالبال البحري والفيل البري، على حد سواء في هذا الطريق ومن تلك الوجهة والنظرة، فالمنظور هو أن يؤمن الناس، وقد فرع عليه بقوله: * (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق) * وليس بباطل * (وأما الذين كفروا فيقولون) * كذا.
فما تخيله جماعة من اليهود معترضين على القرآن العزيز، وتوهموا: أن الإتيان بمثل هذه الألفاظ الحاكية عن تلك الأشياء الرخيصة الرذيلة، غير لائق بجنابه الإلهي، فالقرآن من عند محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا من قبله تعالى.
في غاية الوهن والسخافة، وناشئ عن قلة التدبر فيما هو المنظور في هذا الميدان وتلك الساحة الجميلة.
وبالجملة: تخيل أن ذكر هذه الصغائر والأصاغر في القرآن، خلاف فصاحة المفرد، كذكر العنكبوت والذباب والنحل والنمل، خال عن التحصيل. وسيمر عليك في البحوث الفلسفية: أن الأشياء كلها بالقياس إليه تعالى على حد سواء وإنما الاختلاف بالنسبة إلى أنفسهم.
الوجه الثالث عشر انتساب الأمور غير المطلوبة إليه تعالى من المناقشات على البلاغة اشتمال الكلام على ما لا يستحسنه العقلاء ابتداء، ويتنفر عنه الطباع بدوا، مثلا إن قوله تعالى * (إن الله لا يستحيي) * ليس على ما ينبغي، لأن الحياء من الأوصاف الكمالية