البحث الثالث حقيقة التعليم من الرب العليم لو فرغنا في هذه النظرة عن الزمان والمكان، ووجدنا أن الخلق والخالق في هذه اللحظة الجمعية بعيدان عنهما، نجد مسألة لطيفة عرفانية فلسفية، وهي أن تعليمه تعالى عين الإيجاد على نعت الفطرة في قوس النزول، وكان ذلك في المراحل الفارغة عن الغيب والشهود، ثم بعد حركة آدم (عليه السلام) في قوس الصعود، تبين للملائكة - الذين خطر في ذواتهم بعض ما لا ينبغي - أنه كان مستجمعا للأسماء الإلهية والكمالات الأسمائية، البالغة في الحركة الصعودية إلى مرحلة الوجوب والوجود المطلق، فالعرض عرض تفصيلي في قوس الصعود، والتعليم تعليم إجمالي في قوس النزول، وتلك المقاولات كلها أصوات بلسان الذوات، فيعلم منه تجرد الإنسان والنفس حتى يتم القوس الثاني، ويصل إلى المجرد المطلق والكامل على الإطلاق، وإلا فيلزم الخلاء. وهذا أحد الوجوه المستدل به - في بعض الكتب العقلية - لتجرد النفس البشرية، نظرا إلى لزوم تطبيق القوسين وتكميلهما.
فهذه المحاكمة بين الله تعالى والملائكة، وهذه الاستعراضة الجامعة لجميع الاستعراضات العصرية العسكرية وغير العسكرية، وهذا الفريق الأول والإسبهبد الإلهي الآدمي، كلها في هاتين النشأتين الغيبية، والشهودية، بعد تجردهم جميعا عن الزمان والمكان وسائر