إمكاناتهم الاستعدادية، التي حصلت لهم بسوء اختيارهم، وتصير النتيجة خروجهم من الهداية إلى الضلالة أو تشتد ضلالتهم * (ويهدي به كثيرا) * وإذا كان هذا صريح القرآن العظيم العزيز، الموافق لأعلى مراتب العلم والتوحيد، فيخطر ببال القاصرين الواقفين في الجهالات الكلامية، ويمر على خيال الجاهلين المتمردين عن الحق المبين، مناقضة العقل والشرع ومضادة العلم والدين، فأجيبوا ثانيا: * (وما يضل به إلا الفاسقين) * وما يتنزل الصور إلا حسب الحدود والمقتضيات، فالفيض نازل على أنه الفيض، ولكنه بالنسبة إلى المحال والمواد تختلف أحكامه وآثاره، فما يضل به إلا من هو صال الجحيم، ولا يضل به إلا كل كفار أثيم، وما يضل به إلا المنحرف عن الجادة المستقيمة وعن الطريق القويم، فالضلالة من ناحية القوس النزولي، والفاسق خارج بفعله من الطينة والطبيعة الأولية، فإذا قرع سمعه القرآن الكريم، فيتمثل ما يسانخه ويؤيد فسقه وبطلانه * (الذين ينقضون عهد الله) * وصبغة الله المكنونة في أسرارهم وموادهم السابقة * (من بعد ميثاقه) * واستحكامه بالفطرة الإلهية، فكانت العهود الإلهية داخلة في مبادئ حركاتهم الغريزية والجوهرية * (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) * فينحرفون عن تلك الطريقة المتهيئة لهم، فإن الله قد أمر - وهو أمره التكويني النوري الوجودي - بأن يخرجوا من النقص إلى الكمال باتباع الشرائع والمحكمات من الآيات، وهم عكسوا الأمر عليهم، فوقعوا في حاشية الطريق وفي هامش الصراط المستقيم، فوقعوا في الجحيم وفي الدنيا وأحكامها، فشاقوا الأنبياء وجاهدوا الأولياء وقاسوا العرفاء والحكماء والفقهاء.
(١١٩)