(سنن ابن ماجة) هي بشرى نزفها إلى المشتغلين بالحديث الشريف والفقه الاسلامي. هؤلاء الذين ظلموا زمانا يرجعون أن تخدم أمهات كتب الحديث على النحو الذي يخدم به تراثنا الأدبي والتاريخي. فتحقق نصوصها وترقم أحاديثها وتذييل بما يقتضيه المقام من حواش وتعليقات. ثم تنشر بعد هذا كله نشرا متقنا يقرب منالها وييسر الانتفاع بها على أوسع مدى مستطاع، وهي خدمة بلا ريب مضنية، تستلزم فيمن يتوفر عليها ثقافة إسلامية ممتازة، وخبرة أصيلة بكتب الحديث وأعلام رجاله، ومعرفة دقيقة بأصول الرواية ومنهج التحقيق، مع رغبة مخلصة في خدمة العلم، يستطاب معها البذل السخي والسهر المرهق.
وخاصة المثقفين لا يجهلون مكانة " الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي " في هذا الميدان فلقد وهب حياته لخدمة القرآن والسنة، وأثمرت جهوده فيهما ثمارا موفقة، يكفي أن نذكر منها " المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: وكتاب " اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ".
ومنذ عامين اثنين قدم " الأستاذ عبد الباقي " إلى مكتبتنا طبعة حديثة متقنة لكتاب " الموطأ للامام مالك " في مجلدين كبيرين، واليوم يقدم لنا " سنن ابن ماجة " للامام الحافظ " أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني المشهور بابن ماجة أحد أئمة رجال الحديث وأعلام الحفاظ في القرن الثالث الهجري ".
وتشهد كل صفحة من صفحات " سنن ابن ماجة " بالجهد الباذل الذي أنفق في تحقيق نصوص الكتاب وترتيب أبوابه وأحاديثه والتعليق عليه، مع عناية واضحة بدقة الضبط وإتقان الاخراج.
ولم يكتف الأستاذ المحقق بهذه الحواشي التي جاء بها في هامش الصفحات تفسر الألفاظ أو توجيها للأعراب، بل حاول إلى جانب هذا كله أن يذيل متن الحديث - حديث ما دعت الحاجة بتعليق يتصل بالمتن أو بالسند. كأن يشير إلى أن: " هذا المتن مما انفرد به المصنف " أو ينقل قولا لبعض علماء الحديث فيه، من مثل " أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب " رقم 62 " رجال إسناد هذا الحديث كلهم مجهولون، قاله الذهبي " رقم 50 " في الزوائد: إسناده ضعيف " رقم 74 و 94 و 86 و 87، 171 و 213 و 229.
" إسناده ضعيف، لاتفاقهم على ضعف عبد الله بن حراش، إلا أن ابن حبان ذكره في الثقات، وأخرج هذا الحديث من طريقة صحيحة " رقم 102.
" في الزوائد: إسناده ضعيف، فيه داود بن عطاء المديني، وقد اتفقوا على ضعفه، وباقي رجاله ثقات، وقال السيوطي: قال الحافظ عماد الذين بن كثير في جامع المسانيد: هذا الحديث منكر جدا، وما هو أبعد من أن يعد موضوعا " رقم 104.