ومنها قولهم: (أخطأ حيث محا اسمه بالخلافة من صحيفة الحكومة، فإن ذلك مما وهنه عند أهل العراق، وقوى الشبهة في نفوس أهل الشام).
والجواب: أنه عليه السلام احتذى في ذلك - لما دعي إليه واقترحه الخصم عليه - فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صحيفة الحديبية حيث محا اسمه من النبوة لما قال له سهيل بن عمرو: لو علمنا أنك رسول الله لما حاربناك ولا منعناك عن البيت. وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم له عليه السلام - وهو يومئذ كاتب تلك الصحيفة -: ستدعى إلى مثلها فتجيب. وهذا من أعلام نبوته - صلوات الله عليه - ومن دلائل صدقه، ومثله جرى له حذو القذة بالقذة.
ومنهم قولهم: (إن جماعة من أصحابه عليه السلام فارقوه وصاروا إلى معاوية كعقيل بن أبي طالب أخيه، والنجاشي شاعره، ورقبة بن مصقلة أحد الوجوه من أصحابه، ولولا أنه كان يوحشهم ولا يستميلهم لم يفارقوه ويصيروا إلى عدوه، و هذا يخالف حكم السياسة وما يجب من تألف قلوب الأصحاب والرعية).
والجواب: أنا أولا لا ننكر أن يكون كل من رغب في حطام الدنيا وزخرفها، و أحب العاجل من ملاذها وزينتها يميل إلى معاوية الذي يبذل منها كل مطلوب، و يسمح بكل مأمول، ويطعم خراج مصر عمرو بن العاص، ويضمن لذي الكلاع و حبيب بن مسلمة ما يوفي على الرجاء والافتراق، وعلي عليه السلام لا يعدل فيما هو أمين عليه من مال المسلمين عن قضية الشريعة وحكم الملة حتى يقول خالد بن معمر السدوسي لعلباء بن الهيثم - وهو يحمله على مفارقة علي عليه السلام واللحاق بمعاوية -:
اتق الله، يا علباء! في عشيرتك، وانظر لنفسك ولرحمك، ماذا تؤمل عند رجل أردته على أن يزيد في عطاء الحسن والحسين دريهمات يسيرة ريثما يرأبان بها ظلف عيشهما، فأبى وغضب فلم يفعل. فأما عقيل فالصحيح الذي اجتمع ثقات الرواة عليه أنه لم يجتمع مع معاوية إلا بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام.
ومنها قولهم: (إنه غير مصيب في ترك الاحتراس، فقد كان يعلم كثرة أعدائه و لم يكن يحترس منهم، وكان يخرج ليلا في قميص ورداء وحده حتى كمن له