ولتفصيل الكلام في إثبات التكليف بالواقع وعدم مانعية الجهل والاضطرار عنه محل آخر، والغرض الإشارة إلى المدرك إجمالا، فما أتى به عالما بأنه المأمور به شئ وما هو في الواقع شئ آخر، ولا مانع من اجتماعهما بأمرين.
وأما القول بتساوي احتمال الخطأ في المقامين، فنقول: المفروض حصول القطع في نظر المكلف بخطأه في الأول، ولا يحتمل الخلاف بالنظر إلى الثاني، وإلا لم يكن علما في نظره، إذ احتمال الجهل المركب يمنع من كون الاعتقاد علما في خصوص الواقعة، والمعيار إنما هو نظر المكلف نفسه، ومجرد احتمال الخطأ في العلم والقطع مطلقا في نظرنا لا ينفع في ذلك.
وبالجملة: فالمكلف القاطع بمخالفة عمله (1) السابق للواقع قاطع بفوت الواقع عنه، فيشمله عموم أدلة الفوات على حسب ما يزعمه، وهو الحجة، واحتمال خطائه في هذا القطع أيضا إنما هو في نظرنا لا في نظره، وهو لا مدخل له في تكليفه، إذ هو مكلف بالقضاء متى ما علم الفوت.
فإن قلت: دليل القضاء إنما قضى بوجوبه مع الفوت الواقعي - كما هو ظاهر اللفظ - وهو غير ثابت، لاحتمال إصابة ما أتى به أولا الواقع، لتساوي العلمين بالنسبة إلى احتمال الخطاء.
قلت: ليس الميزان في معرفة الفوت الواقعي نظر الفقيه والمفتي.
وبعبارة أخرى: لا يشترط في الفتوى بالقضاء كون المفتي عالما بأن هذا المكلف فات عنه العمل واقعا، وإنما هو راجع إلى نفس المكلف، وهو في الفرض عالم بأنه فات عنه الواقع، فنحكم عليه بوجوب القضاء، لأنه يعلم الفوات، وإن كنا نحن إذا لاحظنا العلمين المتعاقبين على ذلك المكلف ليس احتمال الخطاء في الأول أولى من احتماله في الثاني، وذلك واضح.
مضافا إلى أن صدق دليل الفوات يغني عن ذلك كله، وهو معلوم من العرف،