قلت: الفرق أن طريان الظن لا يوجب القطع بخطاء الظن السابق حتى يعلم الفوات فيجب القضاء، بخلاف العلم بعد العلم، فإنه موجب للقطع بمخالفة الواقع، فتدبر.
فإن قلت: ظن المجتهد أيضا بعد قيام الدليل على حجيته قطع شرعا، فيكون كالقطعين الوجدانيين.
قلت: نعم، ولكن بالنسبة إلى لزوم العمل على طبقه، لا في جميع ماله تعلق بلفظ العلم، وقد عرفت: أن طريق معرفة الفوات الواقعي إنما هو العلم، وكون الظن الثاني بمنزلة العلم في لزوم العمل به بعد ذلك لا يوجب كون فوات الواقع فيما مضى مقطوعا، إذ الظن معتبر بالنسبة إلى ما بعده، ولا ربط له بما قبله، إذ هو أيضا كان كالثاني بظن معتبر، والعمل بالأمرين التعبديين لا مانع منه، بخلاف القطع، فإنه موجب للعلم بمخالفة أحدهما للواقع، فتبصر.
مضافا إلى أن عدم لزوم القضاء بالعدول مما قد انعقد عليه الإجماع.
وإن كان بطريق القطع - كما لو قطع بفساد ما ظنه سابقا بالاجتهاد لظهور إجماع أو وصول خبر متواتر أو محفوف بقرائن - فالأقوى لزوم القضاء، ويعلم حجته مما قررناه في تعاقب العلمين وحصول الظن بعد الظن، بل هنا أولى من تعاقب العلمين، لكونه في الأول ظنا محتملا للخلاف من حينه أيضا، وذلك واضح.
الثالث: في الظن التقليدي.
وزواله أيضا بالشك يعلم حكمه مما مر: أن الشك بعد وقوع العمل لا عبرة به، سيما وأن التقليد لا يدور مدار الظن بالواقع، بل هو تعبدي لا ينافي الشك، إذ ليس الغرض (1) الشك في وقوع التقليد، بل المراد الشك في كون الفتوى مطابقا للواقع أولا.
وإن كان بالظن، لا بمعنى الظن ببطلان التقليد، بل بمعنى الظن ببطلان الحكم