لوجوب قضاء ما فات بتبدل الظن.
وثالثتها: حصول القطع بالمخالفة، وفيه وجهان:
أحدهما: لزوم القضاء، لانكشاف عدم الامتثال للأمر الواقعي، فهو إما باق فيجب الإتيان به، أو فائت فيجب القضاء للفوات.
وثانيهما: أن أحد العلمين ليس بأولى من الاخر، والترجيح من غير مرجح غير جائز، وكما أن احتمال الجهل المركب آت في العلم الأول فكذلك العلم الثاني، ولعل الأول كان مطابقا للواقع والثاني مخالفا له (1).
والأقوى: وجوب القضاء كما سبق (2) لما قررناه في محله من ثبوت التكليف بالأحكام واقعا، وجهل المكلف غير مسقط لذلك (3) واعتقاده بخلافه قائم مقامه ما دام هو كذلك، والأمر الاضطراري العقلي الناشئ من جهل المكلف لا يجزئ إلا على حسب مقداره، ولا يجزئ من الأمر الواقعي.
وما في كلام بعض من تأخر (4): أنه لم يكن تكليفه إلا ما اعتقده وقد أتى به، ولم يكن مكلفا بالواقع، لقبح التكليف بما لا يطاق، فلا معنى لوجوب قضائه.
مدفوع بأن التكليف بالواقع ليس مطلقا حتى يلزم التكليف بما لا يطاق، بل إنما هو مشروط بالعلم به، فما لم يكن علم لم يكن (5) هناك تكليف، فإذا حصل القطع بالواقع صار ما أتى به امتثالا للأمر الثانوي والحكم الاضطراري، وحصل الثواب بقدره، وانكشف كونه مكلفا بالواقع تكليفا معلقا بالعلم وقد حصل، فإن كان الوقت باقيا فهو ممكن فيأتي به، وإن كان خارجا فقد فات عنه ما هو المطلوب الواقعي فيجب القضاء.