وهنا وجهان:
أحدهما: الحكم بلزوم القضاء، لعدم تيقن البراءة مع وجود الخطاب، والمسقط إنما هو الموافقة للواقع ولم يعلم، فالأصل بقاء الأمر، فيجب الإتيان ثانيا، والمراد دليل القضاء لو كان قضاء.
وثانيهما: العدم، لأن المفروض كونه آتيا في وقته معتقدا للمطابقة، ولم يحصل العلم الان بالمخالفة، غايته الشك، فيدخل في عموم أدلة عدم العبرة بالشك بعد الفراغ، فلا يوجب هذا بطلانا في العمل الواقع على وجه الصحة.
ولظاهر المشهور القائلين بعدم المعذورية لو شمل كلامهم هذا الفرض وجوه:
أحدها: أن التكاليف باقية وسبيل (1) العلم إليها مسدود، ولا دليل على العمل بما عدا الاجتهاد أو التقليد، فما عداهما غير موجب للخروج عن عهدة التكليف.
والجواب: أن الكلام إن كان في التكليف بالأخذ بأحد الطريقين فهو في المقام غير معقول، إذ الفرض عدم العلم به وعدم خطوره بالبال، فلا وجه للتكليف.
وإن كان البحث في الشرطية المستلزمة للبطلان بدونه، فنقول: لم يقم دليل على شرطيتهما، وإنما هما طريقان للوصول إلى المأمور به، فإذا حصل الواقع بدونهما فلا مانع من صحته، بل نقول فيمن تفطن لذلك ولم يأخذ بأحد الطريقين: ليس بطلان عبادته من جهة الشرطية، بل من جهة أنه لا يطمئن بكون ما أتى به مأمورا به، فلا يحصل منه قصد التقرب.
وثانيها: قوله تعالى:... فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (2) وما ورد من الأخبار على الأمر بأخذ الأحكام من فقهاء الرواة والعلماء الزاهدين في دنياهم دون غيرهم (3).