مسألة الجاهل وبين قولهم: (لا بد من الاجتهاد أو التقليد) لأنهم يقولون: بأن الجاهل غير معذور، والظاهر من كلمة (المعذور) كون عمله مخالفا للواقع، فالبحث إنما هو في صورة المخالفة، لا في صورة الموافقة.
فدعوى: شمول كلام القائلين بعدم معذورية الجاهل للجاهل الغير المقصر المطابق عمله للواقع مشكلة، بل ممنوعة (1).
وكيف كان: فالمتبع الدليل، ولنا على صحة ذلك وجوه من الأدلة:
أحدها: أنه آت بالمأمور به مطابقا للأمر الواقعي المتعلق به معتقدا مطابقته وقاصدا للامتثال، فينبغي أن يكون مجزئا، والطريق إنما اعتبر للوصول إلى ما هو الواقع، وليس أمرا تعبديا هو شرط للصحة، والأصل عدم شرطية ذلك للصحة، ولم يقم دليل على ذلك، والإجماع عليه ممنوع، بل معلوم العدم.
وثانيها: أن الظاهر من طريقة العرف والعادة ذلك، فلو جعل المولى لعبده طريقا إلى معرفة أوامره ونواهيه فاعتقد العبد على صدور أمر منه من غير ذلك الطريق وأتى به وصادف الواقع، لا يحتاج بعد ذلك إلى الإتيان به ثانيا، والسر في ذلك: أنهم يفهمون كون الطريق للوصول، لا شرطا لصحة المأمور به، وهذا طريق لا ينكر، إلا أن يعلم كون الطريق شرطا.
وثالثها: ادعاء الأولوية، إذ الشارع متى ما اعتبر طريق الاجتهاد والتقليد اللذين لا يطمئن بهما النفس غالبا - وهو (2) محل للزلل والخطر - وجعلهما كافيين في الامتثال وإسقاط القضاء، فليجعل الوثوق الحاصل من ملاحظة الأمارات والقرائن الحاصلة من ملاحظة طريق المتشرعة كافيا بالأولوية، والفرض أنه وافق الواقع.
ورابعها: الأخبار الكثيرة جدا المنتشرة في أبواب الفقه المشتملة على السؤال