قوى بعض مشايخنا المعاصرين (1) عدم جريان القاعدة فيه، لأن إمكان الحيضية إنما هو في الدم الخارج من الرحم، وأما الخارج من غيره فهو ممتنع، فلو شك في خروجه من الرحم صار الشك بين الإمكان والامتناع.
وهو غير بعيد بالنسبة إلى الاعتبار، لكن الأدلة الدالة على قاعدة الإمكان مطلقة تشمل مثل هذا الفرض، والمعتمد في ذلك إنما هو الدليل وإن كان هو أيضا مثل الأمثلة السابقة في ذلك، والذي يقوى في النظر جريان القاعدة فيه.
وقد يسبق إلى بعض الأذهان: أن كل دم شك في كونه حيضا يدور أمره بين الإمكان والامتناع، إذ هو في الواقع لو لم يكن حيضا يمتنع كونه حيضا، فأي فرق بين هذا وبين الأمثلة السابقة؟ وهو ناش عن قصور النظر.
وتوضيحه: أن نفس الإمكان إنما هو احتمال الشئ للطرفين، وما أمكن كونه حيضا معناه: أنه يحتمل كونه حيضا في الواقع وعدمه، فأحد طرفيه وجود والاخر نفي، والأول واجب والثاني ممتنع. بخلاف مثل الخنثى، فإن الشك فيه أولا في كونه امرأة وعدمه، فلو لم يكن في الواقع أنثى فهو ممتنع، ولو كان أنثى فهو ممكن، لا أنه حيض، فالشك في الحيض هنا في مرتبتين:
إحداهما في إمكانه وامتناعه، وثانيتهما في كونه حيضا وعدمه، وذلك واضح عند النبيه.
والثالث: أن مجرى قاعدة الإمكان ما لم يرد فيه نص على أمارة يعلم بها ذلك، فلو كان مورد الأمارة لم يعمل بقاعدة الإمكان، كما إذا اشتبه الدم بالعذرة، فإن الشارع جعل الميزان في معرفته التطوق وعدمه، أو اشتبه بالقرحة، فإن الميزان فيه إنما هو الجانب كما دل عليه الرواية (2) - على اختلاف في عبارتها - وعمل بها الأصحاب، إذ التعارض بين ما دل على الامارتين وبين أدلة الإمكان