فجعل هذه الرواية قانونا لبيانها.
ويحتمل كون (من) بمعنى الباء، فيكون المراد: فأتوا بالشئ، ويكون كلمة (ما): إما زما، أي: ما دام أنتم مستطيعون، أو بدلا عن الشئ، أي: فأتوا بالشئ، أي: المقدور، والمتعلق محذوف، أي: المقدور منه، فيرجع هذا إلى المعنى الأول.
ويحتمل أن يكون الموصولة مفعولا و (من) بيانية، فيصير المعنى: فأتوا بالمستطاع الذي هو ذلك الشئ المأمور به.
ويحتمل كون (من) ابتدائية، فيكون المعنى: فأتوا بالمستطاع الكائن من ذلك المأمور به.
ويحتمل كون الموصولة مفعولا وكلمة (من) تبعيضية بدلا عن الموصولة، والمراد: فأتوا بالمستطاع بعض الشئ المأمور به. ويجئ بعض احتمالات أخر بعيدة.
ولا ريب أنه وإن كان في بادئ النظر يمكن أن يقال: إذا دار الأمر بين محتملات بعضها منطبقة على المقام وبعضها خارجة عنه، فلا وجه للتمسك بهذه الرواية.
قلت: مع قطع النظر عن إعمال قواعد الأصول في تعارض الأحوال، لا ريب أن هذه الضوابط إنما مع عدم وجود فهم عرفي متيقن في البين، ومع وجوده فلا يضر مخالفة ألف قاعدة.
فنقول أولا: لا ريب أن حمل هذه الرواية على اشتراط القدرة في المأمور به - كما هو مقتضى المعنى الثاني والرابع وبعض الوجوه البعيدة - بعيد عن سياق هذه العبارة، إذ لو ألقي هذه اللفظة على عامي مخ غير مشوب ذهنه بشئ من كلمة الأصوليين والفقهاء لا يفهم منه غير أن المقدور من المأمور به لا بد من الإتيان به وإن تعذر إتيان المجموع المركب، وهذا المقدار من الفهم عرفا يكفينا، ومنكر ذلك