مكابر لوجدانه، ومخالفة قواعد الأصول غير قادحة، إذ مجراها عند اشتباه العرف، والمقام ليس منه.
وثانيا نقول: إن الحمل على اشتراط القدرة لازمه حمل كلمة (ما) على المصدرية وهو خلاف الأصل، وتأويل الفعل على المصدر وهو كذلك (1).
وثالثا: أنه مستلزم لكون الخبر تأكيدا لما دل عليه العقل والنقل من اشتراط القدرة.
ودعوى: أنه لعل هذا الخبر مقدم على غيره من النقل، مدفوعة بالظن القوي بتأخره عما دل عليه كتاب الله من ارتفاع تكليف ما لا يطاق (2).
كما أن دعوى: احتمال كون كل من هذه الخطابات لطائفة من المكلفين - إذ صدور كل منها في حضور كل منهم معلوم العدم - فلا يكون تأكيدا، مدفوعة بأن الغرض من التأكيد كون هذا الكلام بنوعه مفيدا فائدة ذلك، وظاهر الخبر أنه مفيد تأسيس حكم جديد، ولو كان المراد إفادة ما أفاده غيره لكان إعادة ما في كتاب الله والتعبير بعدم جواز تكليف ما لا يطاق أحسن، ولم يؤد بهذه العبارة الظاهرة في خلاف المراد، كما لا يخفى على المنصف.
مع أن هذا لو لم نقل بأن قبح تكليف ما لا يطاق عقلي يعرفه كل أحد، ولو قلنا به - كما هو الظاهر - فيكون تأكيدا صرفا، ويسقط هذه الكلمات من أصله.
ولا يضرنا استعمال كلمة (الإتيان) من دون (باء) مع أنه يتعدى به، لأنه لازم على كل احتمال.
وجعل كلمة (من) بمعنى (الباء) وارتكاب هذا المجاز البعيد عن ظاهر اللفظ ليس بأولى من إضمار الجار وكونه محذوفا بقرينة المقام، ولا نسلم أولوية المجاز