وثانيهما: أن بعد إعمال القرعة هل يجب العمل بها، فلا ينفسخ بعد ذلك إلا مع العلم بالمخالفة للواقع - بمعنى: انكشافه بعد ذلك بقطعي آخر لو اتفق مثل ذلك - أو لا يجب، بل يجوز ترك العمل بها؟ وهذا المقام يتضح مما قررنا سابقا.
فنقول: إن لم يكن أصل الأعمال لازما - كما في ثلث العبيد ونظائره - فإذا اعمل فيه بالقرعة فالأصل بقاء التخيير وعدم التعين، مع احتمال أن يقال: إن بعد تفويض الأمر إلى الله دل النص على خروج سهم المحق، فتغيره حينئذ إبطال للحق.
ويمكن دفعه: بأن كون الخارج محقا في هذا المقام لا ينافي كون غيره محقا، لأنه من أفراد الكلي المتواطئ، مع أن شموله لمقام لا يلزم فيه أصل الأعمال مشكل.
ودعوى: أن المخالفة حينئذ نقض لعهد الله وهو حرام، إذ الفرض أن القارع يفوض أمره إليه تعالى ويجعله الحكم في ذلك، وحكم الله لا ينقض. ولا ريب أن في مثل هذا المقام يكره كراهة شديدة، وفي التحريم نظر.
وأما فيما يجب إعمالها: فظاهر النصوص المتقدمة كافة لزوم ترتيب الآثار عليها بعد إعمالها، وهي الحجة، مع أن ظاهر أصحابنا الإجماع عليه، نعم في قسمة الرد اعتبروا رضى المتقاسمين بعد القرعة - وهي (1) مسألة أخرى - ولأن وجوب الأعمال ليس إلا للزوم ترتيب الآثار، وإلا فلا وجه للزومه أصلا، مضافا إلى أنه لو لم يؤخذ بمقتضاها، فإما أن يترك الواقعة بلا حكم فيلزم التعطيل المحرم، أو يؤخذ بخلاف ما أخرجته القرعة فيلزم ترجيح المرجوح، أو تعاد القرعة مرة ثانية فيعود (2) الكلام السابق. وترجيح العمل بالثاني على العمل بالأول فاسد جدا،