محمول على الندب، إذ الثلث كلي متواط متساوي الصدق على الأفراد (1) ومقتضاه التخيير - كما في نظائره من الوصايا والمنجزات - وإن أفتى به جماعة من الأصحاب أيضا في المقام (2) لكن وجوبه محل نظر، والوجه واضح. أو محمول على كون الثلث معينا واقعا فعرض الاشتباه، وذلك مما لا مخرج له ظاهرا فيجب القرعة.
وأما لو كان من المشكلات فالأقوى لزوم القرعة وأنها عزيمة، لظاهر أغلب ما مر من النصوص، فإنها قريبة من الصراحة في لزوم إعمال القرعة، مع أن التوصل إلى الواقع في إجراء الأحكام لازم مقدمة للإتيان بالمأمور به، فاللازم العمل بها، إذ الفرض أنها غير مخطئة بنص الأخبار وكاشفة عن الواقع أو مثبتة لما أراد الله ثبوته، فعدم إعمالها (3) يعد تقصيرا في حكم الله، ومثله إثم قطعا، مضافا إلى أن مع تركها يلزم أحد الأمرين:
إما ترك الحكم والإفتاء ولازمه الهرج والمرج والتعطيل، وهو من أقبح الفساد، ومستلزم لتلف الأموال والنفوس وضياع الحقوق.
وإما التهجم على أحد الاحتمالين تشهيا، وهو قول بما لم يعلم ولا قام عليه دليل، وهو - مع قبحه العقلي الناشئ من الترجيح من دون مرجح أو ترجيح المرجوح والفساد المترتب عليه من لزوم التهمة على الحاكم وإثارة الفتنة، لأنه قضاء بغير حجة وبينة - داخل تحت النواهي في الكتاب والسنة، فلا مناص عن لزوم العمل بها (4). مع أن التخيير ونحو ذلك لا يجري في بعض المقامات، لتعذر الحاكم حتى يتخير، وتخير المتنازعين إثارة فتنة بعد فتنة، وذلك لمن تدبر واضح جدا.