ومنه ما ورد في الحديث القدسي: ما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا يكون الا ما أريد (1) فان التردد عليه تعالى محال، غير أنه لما جرت العادة أن يتردد من يعظم الشخص في مساءته نحو الوالد والصديق وان لا يتردد في مساءة من لا يكرمه ولا يعظمه كالعدو والحية، بل إذا خطر بالبال مساءة أوقعها من غير تردد، فصار التعدد لا يقع الا في موضع التعظيم والاهتمام وعدمه لا يقع الا في مورد الإهانة. فحينئذ دل الحديث على تعظيم الله تعالى للمؤمن وشرف منزلته عند الله، فعبر باللفظ المركب عما يلزمه، وليس مذكورا في اللفظ إنما هو بالإرادة والقصد، فمعناه حينئذ منزلة عبدي المؤمن عندي عظيمة.
لطيفة: قيل في تأويل هذا الحديث وجوه:
1 ما ذكرناه.
2 ما ذكره بعض الفضلاء، وهو أن التردد إنما هو في الأسباب، بمعنى أن الله تعالى يظهر للمؤمن أسبابا يغلب على ظنه دنو الوفاة، فيصير مستعدا للآخرة استعدادا تاما، وينشط للعمل، ثم يظهر له أسبابا توجب البسط في الامل، فيشتغل بعمارة دنياه بمالا بد منه. ولما كان ذلك بصورة التردد أطلق عليها ذلك استعارة، إذ كان العبد الذي هو متعلق تلك الأسباب بصورة التردد وأسند إليه تعالى من حيث أنه فاعل للتردد في العبد، وهو مأخوذ من كلام بعض القدماء الباحثين عن أسرار